سامي جو النقاش-
عرفت كرة القدم على أنها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، ونجحت في جذب الفقراء قبل الاغنياء، حتى دأب البعض على تسميتها "رياضة الفقراء".
واللافت ان هذه الرياضة خرقت كل التقاليد والمستويات التي وضعها الانسان نفسه، فكسرت حواجز المستويات المالة والاجتماعية والثقافية بحيث يمكن لاي شخص كان ممارستها، وحتى انها خرقت القواعد العنصرية ان كن حيث التمييز بين الرجل والمرأة او من حيث العرق واللون.
وعلى الرغم من خشونتها، إلا أنها حازت على اهتمام و متابعة كبيرة وجدية من النساء اللواتي بدأن ممارستها بشكل جدي ومحترف.انضم لبنان الى ركاب قطار "كرة القدم النسائية" ولو انها لم تحظ بعد بما يجب ان تناله من اهتمام على مستوى المسؤولين والقيّمين على اللعبة، الا ان العتب ممنوع، لان الغبن يحلق بكرة القدم للرجال بشكل مماثل ايضاً!
وباتت معظم النوادي اللبنانية تخصص فرقا وفئات نسائية للمنافسة على الألقاب. ولكن هل هذه اللعبة خالية من المشاكل ما أبرز مشاكلها و ماذا عن انطلاقتها وخطة عملها و ماذا عن مستوى لبنان فيها؟
كرة الصالات للسيدات "مقبولة" والحاجة الى الاعلام مطلوبة
امين سر اللجنة العليا لكرة القدم للصالات شربل كريم عرض بشكل سريع لمحة عن الشق النسائي في كرة القدم للصالات، فقال:
منذ اطلاقنا بطولة الدوري اللبناني لكرة القدم كنا قد وضعنا خطة لتنظيم مسابقات مختلفة تباعاً، وبحسب ما تقتضيه الظروف. وبالطبع كان الهدف بادىء الامر انتشار اللعبة وتعزيز مفاهيمها وقوانينها لكي لا ننظم بطولات عشوائية. وما حصل في مرحلة ثانية كان اطلاق بطولة الدرجة الثانية للرجال في موازاة وجود كأس لبنان ثم استحدثنا الكأس السوبر لأندية الدرجة الأولى.
ومع بدء دخول اللعبة عند السيدات وابتعاد غالبية اللاعبات عن كرة القدم لأسبابٍ لا ترتبط بنا، ومع توضيح نوادٍ عدة رغبتها في الانضمام الى عائلة "الفوتسال"، اطلقنا دوري السيدات، وهي خطوة ضمن سلسلة خطوات لتنظيم بطولات مختلفة، حيث نتحضر اليوم لاطلاق دوري للاعبين دون الـ 18 عاماً.
وتابع كريم معبراً عن رضاه على المستوى عند إنطلاق البطولة ومؤكداً أن الموضوع يحتاج إلى بذل جهد أكبر للوصول إلى التحسينات المطلوبة في عدة نواحي.أما عن مشاكل اللعبة فبحسب كريم، ليس هناك أي إشكال على الصعيد الإداري.ولوحظ أن المشاكل تكمن على الصعيد الفني في ظل غياب مدربين يستطيعون تطوير مستوى هذه اللعبة وتعزيز حضورها. وهناك من عمل على هذا الموضوع وانعكس ايجاباً على نتائجه.
"اما بالنسبة للاعلام، فاعتقد ان التغطية الاعلامية كانت بحجم البطولة، اذ لا يمكننا اليوم كإعلاميين التفرّغ لتغطية بطولة "الفوتسال" للسيدات الحديثة العهد في الوقت الذي تبدو فيه بطولات اخرى ان كان في كرة القدم او كرة السلة على سبيل المثال في قمة مستواها. في نهاية الامر يتم تقييم البطولات من خلال مستواها الفني، وبطولة "الفوتسال" للسيدات تحتاج للوقت لكي تحظى بالاهتمام المطلوب، وهذا ما حصل على صعيد الرجال ايضاً حيث انتظرنا طويلاً لكي تصبح المباريات محط اهتمام الاعلام. لكن ورغم ذلك هناك الكثير من وسائل الاعلام اللبنانية التي اعدت تقارير خاصة ببطولات السيدات، ومن دون شك علينا ان نجهد اكثر لتكون المتابعة الاعلامية اكبر في الموسم المقبل على صعيد وسائل الاعلام المكتوبة، علماً اننا حاولنا استقطاب بعض الزملاء للعمل معنا ومساعدتنا في هذا المجال، لكن للاسف لم يوافق احد على مشاركتنا عملنا التطوعي بل كانت هناك مطالب مالية، وهي امور غير موجودة في الاتحاد اللبناني لكرة القدم او لجنة "الفوتسال."
رئيسة نادي الصداقة تعرض تجربة النادي مع اللاعبات
اما رئيسة نادي الصداقة للكرة النسائية ولاعبة الفريق هنا عاشور فأثنت على فريقها وقالت:
نحن نعمل كفريق مؤلف من إدارة وجهاز فني ولاعبات. إدارة تمتاز بالذكاء والخبرة على الملاعب وإمكانيات مادية تعمل على اختيار الجهاز الفني وأماكن التدريب لتحضير اللاعبات بكامل الجهوزية للبطولات. النادي عريق في خبرته ودعم الراعي الرسمي "فينيسيا بنك" يسهل التواصل بين الإدارة والجهاز الفني واللاعبات. يبقى على المدرب في خبرته تحضيرهن في خوض البطولات وانجاحها حتى الوصول الى الفوز.
-ولفتت الى ان المنافسة ممتازة كون كل الأندية تتحضر للبطولات اللبنانية والكأس. فبعض الأندية ليس صعبة وأخرى لديها أيضاً نخبة من اللاعبات في المنتخب فالمنافسة تكون على ارض الملعب، عامل اللياقة والتكتيك هو الذي يفوز والتوفيق من الله.
ومستوى الأندية في لبنان ممتاز جداً وذلك إن كان في كرة القدم العادية أو كرة الصالات لأن جميع اللاعبات تشاركن في التمارين وتخضن المباريات في البطولات منذ 8 سنوات ، بطولة الصلات أتت أقوى لكثرة الأندية المشتركة ووجود في كل فريق افضل 6 لاعبات حاضرات للتنافس. ولكن بما ان اللياقة البدنية عامل الفوز للفريق، تفوق فريق نادي الصداقة في البطولة الأولى بفضل قيادة المدرب الصربي بورس سيزمس الذي قرأ البطولة كما يجب، دون ان ننسى ان معظم اللاعبات في المنتخب الوطني اكتسبن خبرة المدرب حسين ديب كما في الموسم السابق تدربت 5 اشهر دون توقف مع المدرب فريد نجيم ولكن لم تنطلق البطولة تزامناً مع انطلاق بطولة كرة الطويل.
وتابعت عاشور: في لعبة كرة القدم النسائية اعتقد ان الصداقة هو النادي الوحيد الذي يعطي أجورا للاعباته مع الطبابة (وهو عامل مطمئن لهن وللاهل بطبيعة الحال)، فطبعا الحضور إلزامي وهو امر يجبرهن على مواكبة التمارين ويصبحن حاضرات للمباريات ويتطورن حتى وصولهن الى تمثيل منتخب لبنان فهذا خلق احتراما متبادلا وتقديرا مشتركا في تبني روح ومحبة للعبة.
اما ابرز المشاكل فهي عندما يتأخر الإتحاد باطلاق البطولة في اللعبتين وغياب برنامج واضح عند بدء الموسم فيتم "سلق" الامور في مدة قصيرة.
اما المشاكل الاخرى الادارية ضمن النادي، فكما دائماً عند انتهاء كل استحقاق للمنتخب تحصل مشاكل بين المدرب وبعض اللاعبات، اتدخل لاصلاح الامور وايجاد حل والنتيجة ان الصداقة في خبرته وحسن إدارته جعلته بطلا منذ سبع سنوات".
ابرز العقبات امام اللاعبات اللبنانيات وابرز الحلول الحلول
أماعن مشاكل اللاعبات فكانت قائدة منتخب لبنان هبة جعفيل حاضرة للتكلم باسم زملائها معربةً عن "اسفها للأوضاع الأمنية التي تؤثر بشكل سلبي وواضح على اللعبة،إضافةً إلى أنّ عددا كبيرا من اللاعبات ناشئات ولا زلن يتعلمن في المدراس ما يحول دون مشاركتهن فيكل التمارين فضلاً عن صعوبة المواصلات في لبنان وغياب إهتمام الأهل في بعض الأوقات."
واشارت هبة الى أنا لبعض يستغرب في البداية فكرة ممارسة النساء لكرة القدم، "فالفكرة الأساسية في مجتمعنا أن كرة القدم هي للرجال وليست للنساء لكن عندما توضح الصورة لهم ويروا أن هذه الرياضة تمارس من الطرفين تتغير وتتبدل الاوضاع تلقائياً." وأوضحت هبة أن أهلها ورفاقها هم أكثر من يشجعها في الآونة الأخيرة وهم يعبرون بإستمرار عن فخرهم بها. كيف لا وهي قائدة منتخب لبنان؟
لا تقف العقبات هنا فقط فغياب التجهيزات والملاعب ومستلزمات اللعبة الأساسية بشكل تام يمنع هذه اللعبة من التطور ناهيك عن عدم وجود اكاديميات خاصة بإكتشاف المواهب في لبنان، ناهيك عن أن الأندية تفكر بطريقة محلية ولا تفكر أبعد من ربح بطولة لبنان.
وغياب نظام إحترافييجعل مستوى اللعبة يتدنى ويمنع جمع شمل اللاعبات بحيث يستطعن التفرغ لكرة القدم والتركيز عليها بشكل أكبر ما يساعد في تطوير المستوى ويستقطب عددا أكبر من الجماهير. إذا ما نظرنا إلى نتائج منتخب لبنان نرى غياب الإهتمام والعمل الجدي في المنتخب.فما هي الحلول؟
الحلول التي طرحتها جعفيل تبدو واضحة وتبدأ من خلال متابعة أكبر من قبل الصحافة بالإضافة إلى إهتمام أكبر في منتخب لبنان بحيث تتمرن لاعبات المنتخب بشكل دائم ما يجعلهن حاضرات في جميع المناسبات وجاهزات لجميع المشاركات الخارجية.
اما المدرب فريد صدقة فأوضح ضرورة وجود أصحاب كفاءات تخطط وتضع البرامج والأنظمة اللازمة كما تضع كل شخص في مكانه المناسب.
ولكن، هذه الحلول وعلى اهميتها، لا تغني عن الضرورة الملحة لتشجيع المستثمرين لضخ أموالهم في هذه اللعبة فالمال عصب الفوتسال ووجود داعمين ماليين بارزين بحيث يتم تشجيع الفرق لتطوير مستواها من الناحية التدريبية أو عن طريق إقامة المزيد من المعسكرات الخارجية ما يساعد اللاعبات اللبنانية على تحسين أداهن و يشعرهنبالإهتمام أكثر فأكثر.
ولا بد ايضا من انشاء أكاديمية لبنانية تكتشف المواهب،فهذا النوع من المدارس الكروية يعتبر القاعدة الرئيسية لإنطلاق"مشوار الذهب" في هذه الرياضة خصوصاً إن كان المكتشفين من ذوي الخبرات العالمية ومن لهم سنوات من الخبرة ما يؤسس لبداية عهد جديد من الكرة النسائية.
كما ان إقامة حملات إعلانية وتشجيعية في المدارس والجامعات تشجع الفتيات لا سيما منهن في سن المراهقة في إبراز مواهبهن الكروية دون أي خجل أو خوف من نظرات المجتمع والمحيط كما التركيز على مسابقات الصرح التربوية سيساعد في زيادة سرعة إنتشار هذه اللعبة.
لبنان الكروي النسائي طموحه محلي فقط
مع عرض كل هذه الامور، يتساءل المرء: أين لبنان من الخارطة العالمية للكرة النسائية وما هي سبل تطوير المنتخبات وما الفروقات؟
المدرب فريد نجيم اوضح أن البعد الحقيقي والفروقات في المستوى تكمن في كرة القدم النسائية أما في كرة القدم داخل الصالات فمستوى سيدات لبنان قريب جدا إلى الخارج.
بالنسبة إلى الدول العربية،رأى نجيم "ان لبنان يعتبر من الأفضل فالهوة تتسع عندما نتكلم عن فرق مثل اليابان والدول الأوروبية وهنا يأتي دور الإتحاد الذي عليه أن يولي إهتماما أكبر للدوري اللبناني والمنافسة فيه والبحث عن اللاعبات في المدارس ما يتطلب جهودا من المعنيين خصوصاً من جهة الفئات العمرية. وقام الإتحاد بخطوة أولى حينما أقام بطولة الفئات العمرية والتي كانت ناجحة لكن إن اردنا بناء منتخب منافس وقوي علينا المضي قدماً في العمل من خلال النظر إلى تطوير المنتخب على المدى الطويل.'
وطالب أيضاً نجيم الفرق بأن توسع طموحها ليصل إلى نيل القاب خارج لبنان ولا يظل هدفها الأول والوحيد محلي، ما يتطلب تحسين مستوى المدربين الموجودين. ولم يخف صعوبة وصول لبنان إلى العالمية في ظل غياب الإهتمام، فالخارج لديه إمكانية تفوق الإمكانيات المعطاة لنا بعشرات المرات لكن الخامات والمواهب الموجودة في لبنان أفضل بكثر من الخارج.
واضاف انه لتحقيق هذه الغاية يجب تواجد اشخاص على مستوى احترافي عالي من جهاز فني إداري إلى إتحاد،والاهتمام باللاعبات الصغار السن بدنيا ومن حيث المهارات هو أساس كل شيء ومن يريد أن يبني منتخبا قويا عليه أن يبدأ في العمل من الفئات الصغيرة قبل الكبيرة والبناء والتطوير يكون أقوى في المدارس والجامعات.
نجيم الذي شكر الإتحاد لإطلاقه البطولة النسائية أشار إلى أهمية تقوية المنافسة وإقامة مباريات ودية للمنتخب التي غابت في السنوات الأربع الأخيرة بشكل تام.فالكويت التي كانت التصفيات أول مشاركة له وفاز لبنان عليه 12-0 تحضر في معسكرات. أما الأردن التي خطفت بطاقة التأهل ما زالت حتى الآن تتمرن في معسكرات. أما لبنان فقبل حوالي الشهر من التصفيات جمع اللاعبات وحاول بناء منتخب بامكانيات ضئيلة وهنا تتضح ملامح بعد لبنان عن العالمية.علينا وضع خطة عمل تبدأ من خلال جمع الأموال وتحسين الإمكانيات المادية.
في المقابل، لم يخف شربل كريم وجود ورشة عمل في المنتخب على أسس محددة وقواعد معينة لكن بحسب رأيه، وضمن الامكانات الفنية للاعبات لا يمكن وضع طموحات عالية كون المنتخبات الاخرى سبقتنا منذ زمنٍ بعيد.
بعد كل ما جاء تصبح الخلاصة واضحة امامنا وهي ان كرة القدم النسائية في لبنان هي بحاجة للمال قبل أي شيء،يليه إهتمام الإعلام ووجود مدربين على مستوى عالمي يستطيعون الوصول بلبنان إلى العالمية فضلا عن تحسين المنشآت في لبنان ووضع أسس واضحة للعمل معاللاعبات منذ الصغر.
الإهتمام بالفئات العمرية هو اساس كل شيء و هو يؤسس لبيئة أقوى ودوري تشتد فيه المنافسة أكثر.علينا أيضاً تشجيع الفتيات لإبراز مواهبهن عن طريق أكاديمية وحملات إعلانية وتشجيعية تبدأ في المدراس والجامعات.
ان وضع الكرة النسائية ليس بالمستوى المطلوب أبداً إذا ما اردنا الوصول إلى العالمية فهناك غياب شبه تام للإهتمام في المنتخب،وإنعدام المعسكرات والمباريات الودية يقتل الروح الموجودة في المنتخب حتى ولو كانت الخامات والمواهب حاضرة ولكن يجب ان تصقل.
صرخة جديدة تضاف الى الصرخات العديدة التي وجهها محبو اللعبة والرياضة بشكل عام، ووسائل الاعلام ايضاً، الى المعنيين. فهل ستلقى الصرخة مصير الصرخات السابقة وتبقى تائهة في هواء المسؤولين، ام انها ستصل الى آذانهم؟