كثيرة هي المجتمعات التي لا تزال المرأة تعاني فيها من وجود نظرة تمييزية ضدها في مختلف الجوانب الحياتية. فتقدمها في مجالات العلم والعمل والأنشطة الثقافية لم يحمها من هذه النظرة الدونية التي لا تقتصر آثارها على دورها ضمن عائلتها وبيئتها، بل تصل الى حد التفرقة في المراكز الوظيفية والرواتب والحقوق السياسية والإجتماعية وغيرها.
عندما نذكر المرأة اللبنانية، لا يخطر ببالنا سوى الحضور الإجتماعي القوي والثقافة الواسعة والإنفتاح، إضافة الى الجمال والأناقة. فهي الأم بصبرها، والقائدة بنضالها المستمر، والسيدة الفاضلة بكفاحها وصمودها أمام مآسي الحياة، والأديبة والفنانة والى ما هنالك من أدوار تجسدها وتثبت مكانتها الرائدة في محيطها. إنما على الجانب الآخر، إزدادت في الآونة الأخيرة الأخبار شبه اليومية عن القسوة والعنف الذي تتعرض له من الغرباء والأقرباء على حد سواء، لتفيض ذاكرة الشعب اللبناني بصور مؤلمة ومهينة للمرأة في وطننا. وكل ذلك في ظل التقصير الرسمي بعدم فرض وتطبيق قوانين رادعة تحميها وتكفل حقوقها كما يجب.
وإنطلاقاً من الواقع المرير، وجدت عدة نساء وفتيات الحل الناجع والفردي باللجوء الى عالم الرياضة الواسع، فطرقن الأبواب الموصدة وإقتحمن ميدان الفنون القتالية لا لمنازلة الشباب ومقارعتهم؛ بل سعياً وراء هدف أسمى وأرقى يتمثل بالذود عن النفس البشرية وكرامتها وشرفها.
للتعرف بعمق على علاقة الفتيات اليوم بالفنون القتالية، كانت للزميل سامي جو النقاش حوارات خاصة مع وجوه تآلفت مع هذه الرياضة حتى أضحت جزءاً من حياتها.
محمد شرف: المرأة اللبنانية متفوقة في مجال الفنون القتالية
اولاً بدأنا حديثنا مع المدرب واللاعب "محمد شرف" الذي حصل على ألقاب عدة محلية وأخرى دولية، وعند سؤالنا له عما إذا كانت تدريبات الشباب تختلف عن تدريبات الفتيات، أجابنا بأنه ليس هناك أي إختلاف ولكن هنا يأتي دور الفتاة بإبراز نفسها. وأضاف محمد أنه يوجد الكثير من الفتيات يضاهين الشباب في التدريبات، واﻹختلاف بينهم هو إختلاف فيزيولوجي فقط، لذلك بقدر ما بإستطاعتهن التحمل فإنه مستعد ﻹعطائهن المزيد من التدريبات.
وبرأيه أن التدريبات للبطولة هي اﻷصعب ﻷي مشتركة ﻷنه عليها أن تتحمل قساوة أكثر، كما وعليها أن تتحمل الضغط ضمن البطولة باﻹضافة إلى إتباع نظام غذائي سليم. معلناً أن الفتاة التي تنجح في بطولات الـ MMA (Mixed Martial Arts) سيكون سهلا عليها قتال الشوارع. فلعبة الـ MMA بنظره هي اﻷفضل في قتال الشوارع، وذلك لأنها تتضمن كيفية الدفاع عن النفس من الخناجر والمسدسات.
وفي كلمة أخيرة نصح محمد الشباب بممارسة هذا النوع من الرياضة، فهي تسهل عليهم حياتهم اليومية وفي الوق نفسه تخرج ضغوطاتهم والطاقة السلبية منهم.
ربيع عقيقي: قليل من الجهد والاصرار يوصل المرأة الى مستوى الرجل في القتال
بعدها توجهنا الى المدرب ربيع عقيقي البطل الدولي في رياضة الكونغ فو، الذي شرح لنا بدايةً الفارق بين الشاب والفتاة في تمرّس الفنون القتالية قائلاً بأنه في لبنان، لدى الشاب قوة بدنية أكثر وشجاعة وقوة قلب بالتنفيذ بطريقة قوية، أما الفتاة فلديها نوع من النعومة بتنفيذ الحركات وشيء من الخوف أيضاً. واعتبر أنّ بإستطاعة الفتاة مجاراة الشاب في معظم اﻷوقات إلاّ أنّ هذا يتوقف على إرادتها بالتعلم، فهي تستطيع مقارعته وحتى منافسته شرط أن تمتلك قلباً قوياً ولياقة بدنية عالية.
والتقى ربيع مع محمد في النظرة الى ان حركات الدفاع عن النفس تختلف كل اﻹختلاف عن التدريب للعب البطولات، واﻷهم هو أن يكون الشخص المعني يريد التعلم وأن يعمل على نفسه حتى يصل للبطولات ويحقق النتائج المرجوة.
ثم أعلن ربيع عدم وجود طريقة معينة للتعامل مع الفتيات فاﻷسلوب نفسه يستخدم مع الجنسين، غير أنّ الفتاة تنفذ التدريبات بطريقة أنعم، مؤكداً بأن الرجال يكونون "ناعمين" قليلاً مع الفتيات إلاّ إذا كانت إحداهن قوية جسدياً. وإعتبر أنّ الفتاة تريد تعلم الدفاع عن النفس، لكن لديها بعض القلق والخوف والقليل من الغنج، لذلك يوجد عندها صعوبة في التعلم.
وناشد ربيع وزارة الشباب والرياضة أن تهتم قليلاً بهم كرياضيين وتدعمهم كي يتمكنوا من السفر لتمثيل لبنان في الخارج، ذاكراً معاناتهم في تأمين التمويل على هذا الصعيد. وأخيرا وجه تحية للإتحاد اللبناني للووشو كونغ فو الذي يرأسه جورج نصير ولرئيس نادي المركزية شربل قمر وكذلك ﻷمين عام اﻹتحاد ومدربه بسام نهرا.
بيرلا ابي راشد: المرأة تقاتل بروحها وليس فقط بجسدها
كما التقينا المدربة اﻹتحادية بيرلا أبي راشد الحائزة على بطولة لبنان وبطولة العرب، فتحدثت في البدء عن عزيمة الفتاة في الدفاع عن النفس، إذ عرّفت عنها بأنها مرتفعة جداً وأكدت أن روحها التي تقاتل وليس جسدها. وأوضحت أنّ هناك قسما من التلميذات يمارسن هذه الرياضة لدخول البطولات وقسما آخر يتعلمها فقط للدفاع عن النفس، وبالطبع كل فتاة تمارس الفن القتالي الذي يناسبها ويتماشى مع قدراتها.
بالنسبة للألعاب القتالية فقد كررت أبي راشد أنّ هذه اﻷلعاب تمرن الروح أكثر من الجسد، فهي تساعد الشابة في التغلب على مشاكلها الشخصية والجسدية و كل اﻷمور المستعصية في حياتها. أما عن الفارق بين الرجل والمرأة، فقالت بأنّ الرجل يمكنه أن يتفوق من خلال بنيته الجسدية، في حين أنّ المرأة تضاهي قوته الجسدية بقوتها الذهنية لتتفوق عليه عن طريق السيطرة الذهنية والنفسية. وشددت على أنه بإستطاعة المرأة تحمّل الضغط النفسي أكثر بينما بإمكان الرجل تحمل الضغط الجسدي أكثر.
وبموضوع الفروقات في التمارين، ركزت على أنها لا تميز بين الرجل والمرأة فالمسألة تعود إلى بنية الشخص ومدى قدرته على التحمل أثناء التمرين. وهناك عنوان تتخذه ودائماً ما تردد قوله لتلاميذها وهو: ان الجسد يجب أن يبقى بارداً أما العقل فعليه أن يبقى حامياً.
واكدت ابي راشد أنّ %90 من المجتمعات النامية والمتفوقة تعتمد على المرأة، وناشدتها العمل على تطوير نفسها للحصول على مجتمع سليم وقوي وذلك لأن المحافظة على حقوق المرأة يتطلب قدرة قتالية ذهنية كانت أم جسدية. فبرأيها المرأة يمكنها أن تدمر المجتمع وبالمقابل يمكنها أن تمشيه على قواعد متينة وأساسية في الحياة، ﻷنها لم تولد فقط للطبخ واﻹهتمام باﻷولاد.
وجزمت أنّ المرأة يمكنها فعل أي شيء تريده، فهي تملك قوة نفسية أكثر من الرجل، وهي وحدها من يرعى ويربي اﻷجيال الصاعدة.
بو عز: مرحلة اعداد الثقة بالنفس هي الاهم لدى الفتاة
ولأنّ مجتمعنا الشرقي يجد بعض الصعوبة في تقبل ما هو جديد خاصة ما يمكن أن يهدد بإلغاء عادات موروثة قائمة على تفضيل وتمييز الذكور عن الإناث في العديد من الحقول، كان لا بد من الإضاءة على النظرة العامة السائدة اليوم تجاه موضوع تدريب الفتيات على طرق الدفاع عن النفس. ولهذا الغرض أجرينا مقابلة مع لاعب ومدرب الفنون القتالية عبد الله بو عز الذي استهل حديثه بالتأكيد على إقبال الفتيات الزائد من كل الفئات العمرية على الإنتساب الى الأكاديميات المختصة لدراسة أساليب الدفاع عن النفس بسبب تعرضهن لحالات كثيرة من أنواع التحرش والإبتزاز.
وبالتطرق الى أنواع التمارين والعوائق التي قد تصطدم بها الفتاة، قال أنّ لعبة الـ MMA تهدف في الغالب الى الوصول لمرحلة قتال الحلبة، إنّما التدريبات التي يزود بها الفتيات الهاويات هي الـ Self- defense techniques التي تشبه الـMMA الى حد ما، لكنها الأفضل لقتال الشوارع بتفاصيلها وتقنياتها الفعالة. ويتم التركيز في التمارين بطبيعة الحال على تقوية اللياقة البدنية ليصل الجسد الى القوة الكافية للمواجهة. أما أول نقطة صعوبة تعترض المدرب فهي طبيعة الفتاة الشرقية الخجولة والناعمة وعدم ثقتها الكاملة بنفسها أنها تستطيع الدفاع وامتلاك القدرة على مجاراة الشاب، فالشاب وفق تربيته عنصر قوي جداً أشبه بصخرة لا تخترق. من هنا أول مرحلة في التمارين تكون بإعداد الثقة بالنفس لدى المتدربة ومساعدتها على معرفة أنها عنصر فعال قادر على الدفاع عند اللزوم، لكن الخطورة تكمن في وصول الثقة عند البعض الى حد الإستهتار والتهور والمباهاة بالقوة والقدرة على التحرك. فأساس القتال الحكمة ومعرفة الذات والأخطار التي تقف بوجهها، وعلى هذه القاعدة يتم التحرك المناسب.
ولفت بو عز الى تمكّن الفتاة بعد التدريب والتحضير من منافسة الشاب، فهي عندئذ قادرة على تحديه بشكل مؤكد. وتابع أنها في الأصل عنصر قوي جداً، تملك المقومات والبنية الكافية لتحمي نفسها لكنها تفتقر الى الفن في الحركة ومعرفة استعمال التقنيات التي تساعدها لتتمكن من إنقاذ نفسها. لذا تختلف التمارين في البداية بين الجنسين، فالإعداد النفسي والتجهيز الفكري على أسس القتال مع الهجوم ورد الهجوم يختلفان بالمراحل الأولى. بعدها تمارس الفتاة الرياضة مثلها مثل الشاب، حتى أنّ بعض التمارين تقدر الفتاة عليها في حين يعجز بعض الشبان على خوضها، والكلام هنا يأتي بعد خبرة طويلة.
كما أشار الى إزدياد الوعي عند جميع الشرائح المجتمعية كون تلك الرياضات مع الوقت أثبتت مدى فعاليتها، وهذا النوع من الرياضة بالتحديد ينمي شخصية الفرد ويمنحه الوعي لكيفية التصرف أثناء اللحظات الحرجة. وهو أيضاً يحسّن ويهدىء من أطباع الفتاة، ويضفي لديها حس المبادرة السريعة بالقتال.. الفارق الجوهري بين الفتاة هنا في مجتمعنا وفي المجتمعات الغربية يتلخّص بالفكرة القديمة عندنا والقائلة إنّ الفتيات في أي رياضة جماعية ككرة القدم أو السلة لا يستطعن مجاراة الشبان وتحقيق النجاحات فيها مثلهم. وكذلك في السابق كان ينظر الى الألعاب القتالية على أنها لا تصلح للفتيات لذا توجيه الأهل لبناتهم كان ينصب على ممارسة هوايات كالرسم والرقص وما شابه؛ أما في الغرب فالشابة تمارس الرياضة التي تحلو لها. إلا أنّ واقع الأمور حالياً تغير بشكل ملحوظ.
وبسؤالنا بو عز عن النصيحة التي يقدمها للفتيات المترددات بشأن الإلتحاق بدورات تدريبية على قتال الشوارع، أجاب أنّ الوقت قد حان لعدم الخجل من ممارسة هذه الرياضة التي لا تغير في شخصيتهن بل تزيدهن أنوثة، وتعطي الجسد شكلاً أفضل وأجمل عبر التناسق العضلي والرشاقة والخفة في الحركة. وصاحبة النفسية الجميلة والشخصية الناعمة لا تتغير مطلقاً بممارسة هذه الرياضة التي تكسبها سرعة رد الفعل المطلوبة لإنجاز أي عمل في حياتها، فالإيجابيات أكثر بكثير من السلبيات.
مختتماً بالقول انّ الفتاة الجميلة عبارة عن وردة، والوردة تحتاج الى شوك على جوانبها لحمايتها من اليد التي تريد قطفها عنوة.
ساندرا قرطباوي: الفنون القتالية تؤثر على الانوثة انما ايجاباً
وللإطلاع عن كثب على تجربة الشابات في خوض غمار الألعاب القتالية بغية الدفاع عن أنفسهن، حاورنا اللاعبة ساندرا قرطباوي التي أخبرتنا أنها بدأت بالتايكواندو منذ صغرها وهي في المدرسة، وأحبت لاحقاً المتابعة فأخذت دروسا خصوصية بالتايكواندو وكانت تتمرن ثلاث مرات في الأسبوع عند أحد المدربين.
وعندما دخلت الـ MMA الى لبنان أي منذ حوالي الثلاث سنوات تقريباً، بدأت تتمرن وتأخذ دروساً فيها مع مدرب في جامعتها، ومن بعدها تعرفت الى شخص آخر أعطاها دروساً خاصة ما دفعها الى ترك الجامعة حينها. لكن بعد قرار عودتها الى تكملة تحصيلها العلمي توقفت ساندرا عن التدرّب بسبب فروضها الجامعية وعدم توفر الوقت الكافي لديها، إلاّ أنها عند إنتهاء دراستها سوف تعود بالطبع لمزاولة التمارين خاصة الـ MMA كي تقوي نفسها أكثر حسب قولها.
أما عن الإحتراف، فتؤكد أنها لم ولن تفكر أبداً به لأن في هذا الفن بالتحديد هناك احتمال كبير للتعرض لعارض صحي، فهو هواية بالنسبة لها أكثر منه دفاع عن النفس: هواية لأنها بدأت تمارسها منذ الصغر، وحماية عن النفس لأن لبنان بلد ليس آمناً كفاية لذلك فإن الفتاة بحاجة فيه لتقنيات الدفاع عن نفسها.
وباستفسارنا عما إذا كانت هذه الأنواع من التمارين الرياضية تنتقص من أنوثة الفتاة، نفت ساندرا ذلك وحتمت أنّ العكس تماماً هو ما يحصل، فهي تقوي شخصيتها لتعتمد على نفسها بالمطلق وكي لا تحتاج الى أحد للمدافعة عنها وقت الحاجة. وكذلك بنظرها، تخفف تلك التمارين من دلع الفتاة خاصة الفتاة اللبنانية، لتزيدها رونقاً وجمالاً في مظهرها الخارجي وتجعلها أكثر جاذبية.
و صرحت ساندرا أيضاً، أنه بات بإمكانها الدفاع عن نفسها جيداً فهي تملك القوة لذلك أياً كان الخصم شاب أو فتاة لأنها تمتلك العوامل الاساسية للفنون القتالية ما يجعل ثقتها بنفسها عالية من ناحية المقدرة على الدفاع والسرعة في الحركة. وتابعت أنها واجهت اكثر من مرة اوضاعاً صعبة واضطرت الى الدفاع عن نفسها، مرة مع فتاة وأخرى مع شاب يمتطي دراجة نارية أراد سرقتها أو نشل حقيبتها ما أجبرها على استعمال العنف معه.
وتوجهت قرطباوي في نهاية كلامها الى كل الفتيات لحثهن على ممارسة هذا الفن القتالي أو أي فن قتالي آخر، فهذه الفنون ليست حكراً فقط على الشباب. إنها ألعاب تعلّم الصبر وطول البال والمواجهة لأننا أصبحنا في زمن غير آمن يحتم على الإنسان السعي لإكتساب القدرة ومعرفة كيفية الدفاع عن ذاته، بالإضافة الى ما يمكن أن تمنحه التدريبات من قوة بدنية خاصة للفتاة بحيث تزيد من ثقافتها وجمالها وأنوثتها وثقتها بنفسها.
تختلف الآراء حكماً حول جدوى ممارسة النساء للفنون القتالية، فما بين مؤيد ومعارض يغالي البعض ويعتبر أنّ هذه الرياضة تلغي أنوثة المرأة، فيما اثبتت شهادات الخبراء ان الامر غير صحيح. ويبقى السؤال مشروعاً: إذا كانت الرياضة القاسية هي التي تخفي أنوثة المرأة فهل إستمرار العنف تجاهها يزيد من رجولة الرجل؟ّ!!