هي لعبة جميلة وجذابة، تحتاج ممارستها إلى مهارات فردية خارقة وسرعة في التحرك واتخاذ القرار المناسب في جزء من الثانية إضافة إلى تركيز عال. تعتبر بشكل او بآخر الشقيقة الصغرى لكرة المضرب. إنها كرة الطاولة اللعبة الشهيرة التي أحببنا أن نطل على واقعها المحلي لنرى اين نحن على خريطة هذه اللعبة وما هو واقعها ومستقبلها وهل من متابعين لها، وإلى أي مدى وصلت نتائجنا وأين نحن من المستوى العربي والأسيوي والعالمي؟
تعد لعبة كرة الطاولة في لبنان من أقدم الألعاب فعام 1935 كان جورج حداد البطل الأول للعبة على الصعيد المحلي بينما سجل لبنان مشاركته الاولى في بطولة العالم عام 1958 في لندن. كما تحظى لعبة كرة الطاولة بشعبية كبيرة رغم قلة الإهتمام الإعلامي بها وينشط ممارسوها في كافة الأراضي اللبنانية لا سيما في كثير من قاعات المدارس والجامعات اللبنانية.
وعلى الصعيد الرسمي ، تأسس اتحاد كرة الطاولة عام 1963 بعد انفصاله عن إتحاد التنس ويضم حاليا 85 ناديا يتوزعون على الدرجتين الأولى والثانية إضافة إلى " المحافظات " ويتغير الإتحاد كل أربع سنين بعد كل دورة أولمبية، ويرأس الإتحاد رئيس نادي الأدب والرياضة كفرشيما " سليم الحاج نقولا ".
رافي مونجوغوليان: في غياب التمويل تتراجع الانجازات
للاطلاع اكثر على هذه اللعبة ووضعها الحالي، التقينا أحد أبرز وجوه اللعبة وبطل سابق فيها وصاحب تاريخ كبير في اللعبة. بدأ في اللعبة لاعبا ثم أصبح بطلا واليوم هو رئيس نادي الهومنتمن بيروت ونائب رئيس الإتحاد اللبناني لكرة الطاولة، إنه رافي مونجولوجيان.
تحدث رافي عن أن النادي الذي يرأسه يعتبر من أعرق الاندية اللبنانية في كرة الطاولة لا بل كان من الأندية التي واكبت تأسيس الإتحاد عام 1963. ويضم النادي بين الأربعين وخمسين لاعبا إضافة إلى أربعة مدربين محليين رغم إعتماده في السابق على مدربين من روسيا، الصين، صربيا وأرمينيا.
أما عن أهم إنجازات النادي فتعتبر الفوز ببطولة الأندية العربية 4 مرات في السنوات العشر الاخيرة والفوز ببطولة لبنان 22 مرة. يستعد نادي الهومنتمن حاليا لبطولة الصيف التي ينظمها إتحاد اللعبة لمختلف الفئات وسيخوضها بأسماء بارزة كـ " آفو مونجوغوليان، تيفين مونجوغوليان، لارا كيشابجيان ومروان مرشد ... "
أما عن ميزانية النادي فيخبرنا رافي أنها تقدر بحوالي 30 الف دولار اميركي يؤمن معظمها عبر التبرعات، إضافة إلى بعض التبرعات العينية من ممولين صغار لكن في الوقت نفسه يؤكد أن لا ديون أبدا موجودة على كاهل لجنة كرة الطاولة في نادي الهومنتمن وهذا ما يسهل دائما من عملها ضمن الإمكانيات القليلة المتاحة.
وبصفته نائبا لرئيس الإتحاد اللبناني لكرة الطاولة، تحدثنا مع رافي عن رؤية الإتحاد لواقع اللعبة فأجاب: لا يوجد تقدم حالي للعبة على الصعيد الدولي لأنه في فترة من الفترات كان لدينا جيل ذهبي من الناشئين لكننا كإتحاد لم نقدر على متابعته ومساعدته وجعله النواة الأساسية للمنتخب وهذا يعود بالسبب الأول إلى سوء تخطيط اضافة إلى عدم توفر الأموال.
وأشار رافي إلى أن أقرب استحقاق للمنتخب هو بطولة أسيا التي ستقام في تايلند في شهر آب ثم البطولة العربية وبعدها يوجد تصفيات غرب اسيا المؤهلة لأولمبياد 2016 في ريو دي جانيرو.
أما عن مداخيل الإتحاد السنوية فأشار رافي الى أنها تقدر ب 20 الف دولار كاشتراكات من النوادي المنتسبة للإتحاد إضافة إلى مساعدة سنوية من وزارة الشباب والرياضة بقيمة 50 مليون ليرة لبنانية، شاكرا مدير مدير عام الوزارة الأستاذ زيد خيامي على وقوفه الدائم إلى جانب كرة الطاولة كذلك للسيد وديع العبسي الذي "دائما ما يغطي نفقات حفل الإتحاد السنوي." مونجولجيان أكد أن اللعبة تفتقد لممولين كبارا الذين لن يأتوا إلا من خلال شبكة علاقات قوية وتسليط الضوء إعلاميا على اللعبة لإرجاع الشعبية لها بعدما كانت تأتي خلف كرة القدم وكرة السلة وما يمكن أن تقدمه للبنان، إذ أنه في غياب الممول لن يستطيع الإتحاد فعل الكثير.
وقال ان الإتحاد كان متحمسا جدا للعبة في البداية لكن حماسه اصطدم بكثير من العقبات لذلك فهو لا يرى إيجابيات كثيرة في اللعبة حاليا رغم قدرة لبنان على الوصول إلى العالمية بها.
وختم رافي حديثه داعيا الإتحاد للعمل بيد واحدة وانسجام كاف لكي تعود اللعبة للتألق، كما دعا أيضا إلى سن قوانين داخلية للإتحاد تحكم عمل الجميع وتحميهم في آن معا.
دائما ما تكون المشكلة المادية هي العائق الاساسي في اي تطور رياضي لبناني لكن هذا لا يمنع من أن نسعى كل من موقعه لجلب استثمارات للعبة وجلب ممولين وشركات راعية فالإعلانات اليوم أصبحت في كثير من الدول المصدر الرئيسي لتمويل القطاع الرياضي، من هنا يجب علينا وضع الخطة المناسبة لجلب هذه الشركات والإستفادة القصوى مما تمكن أن تقدمه على صعيد الدعم المالي للعبة.
محمد الهبش: اللاعبون جاهزون لتلبية النداء الوطني
ومن الاتحاد انتقلنا الى الحديث مع لاعب ترك بصماته على اللعبة خصوصا في العقدين الاخيرين منها، وهو ابن مدينة صيدا وبطلها في لعبة كرة الطاولة، وبطل لبنان في كرة الطاولة لعشر مرات محمد الهبش.
بداية الهبش مع البطولات لم تكن في كرة الطاولة بل بدات مع المصارعة الرومانية حيث حقق بطولتها المحلية خمس مرات لكنه وجد في كرة الطاولة شغفا أكبر فتحول إليها مستغلا ما كان يبدو عليه من موهبة أهلته لكي يفوز وهو صغير على لاعبين اكبر منه سنا.
يخبرنا محمد عن بداياته وكيف كان والده مسؤولا بنادي المعني صيدا وكان محاطا بلاعبين كبارا مثل " بلال جمعة، محمود بديع، عزالدين جبيلي، مروان بزري وعبد الكريم النعماني المدرب القدير الذي له فضل كبير عليه. " وسرعان ما برز محمد باللعبة واصبح هدفه ان يكون بطلا فيها وهو ما تحقق عام 1992 عندما أحرز بطولة لبنان للمرة الاولى. وكانت بطولة مميزة لانها كانت الاولى الرسمية التي تقام بعد الحرب اللبنانية.
يفتخر الهبش أنه يدافع عن ألوان النادي الرياضي بيروت منذ خمسة عشر عاما إلى جانب رشيد البوبو، أسامة حمصي وروك حكيم. النادي الذي حصد بطولات كثيرة لبنانية وعربية على مستوى الفردي والزوجي. ويعتبر أن اللاعب اللبناني موهوب بطبعه لكن ينقصه الدعم المادي كي يبرز اكثر في الخارج. وعن وضع المنتخب اللبناني، أكد الهبش أننا نملك منتخبا قويا لديه وجود قوي على الخارطة العربية وسبق أن حققنا نتائج جيدة لكن المشكلة أن جميع افراد المنتخب يستعدون بشكل فردي لكنهم جاهزون في أي وقت لتمثيل لبنان وتلبية النداء الوطني والسعي لتحقيق نتائج إيجابية.
تيفين مونجوغوليان: اكبر انجازاتي مشاركتي في اولمبياد لندن 2012
يعتبر الوصول إلى دورة الالعاب الأولمبية حلما يراود اي رياضي لما لهذا الحدث من أهمية كبرى في مسيرته الرياضية خصوصا إذا كان الرياضي من بلد لا تلقى الرياضة فيه الإهتمام الكافي من قبل مسؤوليه الرسميين.
لكن ابنة الخمسة وعشرين عاما " تيفين مونجوغليان " الحائزة على البكالوريوس في علم الإقتصاد من الجامعة الأميركية استطاعت تحقيق ذاك الحلم عام 2012 عندما مثلت لبنان في أولمبياد لندن.
التقينا تيفين وسألناها عن بدايتها في عالم اللعبة فأجابت: " بدأت اللعب عندما كنت في التاسعة من عمري وبتشجيع من والدي " رافي " وألعب لنادي الهومنتمن. واستطعت الفوز 4 مرات ببطولة لبنان تحت 21 عام كما فزت بالعديد من البطولات النسائية اللبنانية كما فزت ببطولة لبنان للزوجي المختلط مع اخي " آفو مونجوغليان " ناهيك عن الفوز 5 مرات ببطولة لبنان للزوجي النسائي. كل هذه الإنجازات جعلت تيفين المصنفة الاولى في لبنان بنهاية عام 2014. ولا تنسى تيفين أنها احتكرت بطولة الجامعات طوال فترة دراستها من عام 2007 حتى 2010.
وعلى الصعيد الخارجي، أخبرتنا تيفين أنها شاركت 5 مرات في كأس العالم إضافة لكأس آسيا، البطولة العربية ودورة الالعاب الفرنكفونية ودورة ألعاب البحر الابيض المتوسط.
لكن تيفين تؤكد أن مشاركتها في دورة الالعاب الأولمبية لندن 2012 هي الاهم. وعن الطريق نحو التأهل تقول: " ربحت بطولة غرب آسيا عام 2011 التي أهلتني نحو الأولمبياد. لقد كان حلما وتحقق وهي من أهم التحديات التي واجهتني في مسيرتي حتى الآن.
وعن داعمها الأول في مسيرتها الرياضية، تؤكد تيفين انه بلا ادنى شك والدها " رافي "، "لقد كان ورائي في كل المحطات ومنحي الثقة والقدرة لأصل إلى ما انا عليه الآن بفضل دعمه المعنوي والمادي بجانب أسرتي طبعا، هومثلي الاعلى بكل بساطة."
كما ان استقدام نادي الهومنتمن عبر ابيها لمدربين اجانب ساهم كثيرا في تطوير مستواها ومكنها من تحقيق إنجازات كثيرة.
ولا تخفي تيفين اسفها لعدم وجود الإمكانيات الكافية للوصول غلى الإحتراف الكامل كما في الخارج رغم وجود الموهبة والإرادة لدينا. فمعظم اللاعبين يتدربون في أنديتهم ويدفعون من مالهم الخاص لمدربيهم وهذا ليس بالامر الجيد.
وحول المنتخب الوطني، تؤكد تيفين أن لا نهوض بالمنتخب ولا وصول به إلى مراحل بعيدة إلا من بعد جلب مدربين محترفين والقيام بمعسكرات تدريبية لكي نكون في أقصى الجهوزية لمنافسة اللاعبين المحترفين في الخارج. وختمت تيفين حديثها بدعوة العنصر النسائي إلى ممارسة الرياضة أكثر وأكثر وخصوصا كرة الطاولة. فالرياضة تطور المراة وتزيد ثقتها بنفسها كما انها تعرفها إلى اجواء جديدة ومجتمعات وأناس جدد.
احمد عرقجي: محمد حمية قد يشارك في اولمبياد البرازيل
يعد المدرب العنصر الأساس في نجاح أي رياضة فهو الذي ينقل خبرته وتجربته إلى اللاعبين الصاعدين ويعد منهم أبطالا كبارا ومن هذا المنطلق احببنا أن نطل على عالم مدربي كرة الطاولة في لبنان، لذلك كان التوجه نحو المدرب في نادي الرياضي بيروت ونائب رئيس الإتحاد وبطل لبنان السابق أحمد عرقجي.
مثل لبنان في كأس العالم 1970 في اليابان ودرس علم التدريب لمدة سنة كاملة في فرنسا، وأكد لنا أن اللعبة تغيرت كثيرا عما كانت عليه في السابق إذ أصبحت اسرع ومع ذلك يرى اننا كنا في السابق أفضل بقليل مما نحن عليه الآن خصوصا على المستوى العربي. لكن الحرب اللبنانية اثرت كثيرا علينا فاضطرنا للبناء من جديد بينما كانت دول الخليج والمغرب العربي تتقدم شيئا فشيئا وتضخ مبالغ للعبة. ففي لبنان الإحتراف شكلي إذ أن اللاعب يعمل ويتمرن بآن معا أما في الخارج فاللاعب متفرغ تماما للعبة ناهيك عن وجود وفرة في المجربين الاجانب والمعاهد الدراسية الخاصة باللعبة.
ويؤكد عرقجي ان الاتحاد اللبناني للعبة سعى جاهدا لجلب مدربين من الخارج ولكن اللاعبين ليسوا بحال تفرغ دائم فلا يمكن اقامة تمرين صباحي ومسائي لارتباط اللاعبين صباحا بعملهم فكان المدرب الأجنبي يقضي معظم وقته جالسا لان لا لاعبين يستطيعون الحضور للتمرين في كل الأوقات، ولا قدرة للاتحاد لدفع رواتب للاعبين المميزين تغنيهم عن عملهم كما تفعل دول الخليج على سبيل المثال لا الحصر. لكن عرقجي يؤكد أن لبنان ما زال ينافس رغم كل الظروف، على أن يكون في مقدمة الدول العربية للعبة.
وأكد عرقجي وجود مدربين لبنانيين على مستوى عال كـ " رافي مونجولغيان، محمد علي حسن، ميشال رزق الله وغيرهم " وهم شاركوا بدورات تدريبية لكن العائق الاساسي امام تطور المدرب اللبناني هو العنصر المادي إذ أن المجهود الفردي ليس كافيا في هذا المجال.
وابدى عرقجي سعادته بما يقوم به نادي البراعم النبطية الذي يخرج ناشئين في اللعبة على مستوى عال كما يوجد ناشئون جيدون في كثير من المدارس اللبنانية وهناك خطة من قبل الإتحاد اللبناني للتركيز على الناشئين على امل ان يستطيع تقديم شي لهم يساعدهم على الاستمرار في اللعبة وتخطيهم للمعوقات الدراسية والمادية.
وعن آخر تحضيرات المنتخب، يشير عرقجي إلى أن البطولة الاقرب هي كأس آسيا لكن التحضيرات متوقفة في شهر رمضان رغم اقتراب البطولة لكن معظم ابطال العالم هم من هذه القارة من " الصين واليابان وكوريا وتايوان... " لذلك المنافسة على الصعيد القاري صعبة معترفا في الوقت ذاته أن المنتخب اللبناني للرجال أصبح متقدما في العمر ويحتاج إلى دمج عنصر الخبرة مع الشباب.
وختم عرقجي حديثه بأنه متفائل بإمكان تحقيق اللبناني " محمد حمية " الموجود في الكويت نتيجة تؤهله للوصول إلى أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 إذ أن حمية يستفيد من وجوده في الكويت والجو الإحترافي الموجود هناك لتطوير مستواه وتحقيق الحلم الكبير بالوصول غلى الأولمبياد .
القصة نفسها والخاتمة نفسها عندما نتحدث عن أي رياضة لبنانية.... موارد مالية شحيحة وتخطيط إداري شبه غائب وأبطال موهوبون وناشئون مميزون لا يلقون اي رعاية أو دعم. إلى متى سيبقى العنصر المادي السبب الأول في عدم تقدمنا ؟ إلى متى سيظل الإحتراف كلاما على الورق ؟ اسئلة نتمنى أن نلقى أجوبة عنها في القريب العاجل لأن كرة الطاولة ومن يمارسونها في وطننا يستحقون اكثر بكثير مما يقدم إليهم الآن، اكثر بكثير كثير.