تعاني كرة القدم اللبنانية من أزمة حادة على صعيد الملاعب التي لا تتوافر بكثرة ما يضع الإتحاد اللبناني في أزمة خصوصا عندما تتكاثر المباريات مع عدم وجود ملعب خاص للإتحاد يلجأ إليه عند الضرورة. وتصنف ملاعب كرة القدم في لبنان إلى قسمين: قسم ذو أرضية طبيعية وقسم آخر مفروش بالعشب الصناعي. كما تدخل عوامل أخرى على هذا التصنيف، منها المنطقة الجغرافية التي يتواجد فيه الملعب، مواصفاته القانونية ، السعة الجماهيرية وحالة المرافق الخاصة بالملعب. ورغم امتلاك العديد من الأندية في الدرجة الأولى ملاعب خاصة بها، إلا أنها غير مؤهلة لاستضافة مبارياتها كالأنصار، النجمة، الصفاء... أما العهد فيلعب بعض المباريات غير الجماهيرية على ملعبه.
وحدهما ناديا السلام زغرتا والنبي شيت يلعبان على أرضهما حيث جهزا ملعبيهما بكافة المستلزمات بما فيها الإضاءة الليلية لضرورات النقل التلفزيوني. فيما يلعب ناديي الشمال طرابلس والإجتماعي على ملعب طرابلس البلدي وهو يتمتع بأرضية عشبية مميزة، فيما تعتمد فرق أخرى ملاعب صيدا، المدينة الرياضية والملعب البلدي في مبارياتها.
يمتلك الجنوب ملعبين مميزين يستضيفان مباريات كثيرة في مختلف الدرجات، ومعظمها ذات أرضية عشب اصطناعي كملعب صور البلدي وملعب كفرجوز الذي يستضيف مباريات الدرجة الأولى، الثانية والثالثة كما أن هناك ملاعب جديدة افتتحت مؤخرا كملعب عربصاليم، ملعب عنقون وملعب بنت جبيل وهي ملاعب عشب صناعي لكنها لا تضم مدرجات كبيرة ما يحول دون استخدامها في مباريات الدرجات العليا دون أن ننسى ملعب البابلية وعشبه الطبيعي المميز لكنه لا يتضمن مرافق ويستعمل فقط في مباريات الفئات العمرية والمحافظات والدرجة الرابعة.
زيد خيامي
وقبل أن نجول على بعض الملاعب الكبرى التي هي بتصرف البلديات التي يقع الملعب ضمن نظاقها العقاري لمعرفة وضعها من ناحية الارضية والمرافق وما هي أبرز العوائق التي تحول دون تطويرها، كان لا بد من أخذ رأي وزارة الشباب والرياضة التي تعتبر الأب الحاضن لكافة الملاعب والمشرف الرئيسي على صرف المبالغ المالية لتطوير أي مرفق رياضي. لذلك التقينا مدير عام وزارة الشباب والرياضة زيد خيامي، الذي أوضح أن الوزارة لا تملك أي علاقة مباشرة أو سلطة على أي من المرافق الرياضية، فملعب صيدا تابع للبلدية والمدينة الرياضية لها مجلس إدارة خاص بها وطرابلس الأولمبي تابع لبلدية طرابلس... لذلك علاقة الوزارة هي بشكل غير مباشر عبر السعي لتأمين اعتمادات مالية لصيانة وتأهيل تلك المرافق. الأمر الرئيسي الذي تعاني منه بعض المنشآت بحسب خيامي هو اتخاذ الجيش والقوى الأمنية الملاعب الرياضية كثكنات نتيجة الأوضاع الامنية وهنا لا يمكننا فعل شيئ خصوصا في ظل الواقع الامني للبلد.
وردا على سؤال حول الوضع الكارثي لملعب طرابلس الأولمبي الذي صمم لكأس آسيا ثم أصبح منسيا، أجاب خيامي بأن الوضع المتردي الذي وصل إليه الملعب هو نتيجة عوامل عديدة أهمها وقوعه في منطقة جغرافية غير مناسبة فهو بعيد عن قلب طرابلس، كما أن بناءه ليس مجهزا ضد عوامل ملوحة الهواء والأمطار، إَضافة إلى أن عشبه الطبيعي يروى بماء مالحة ما يضره كثيرا دون أن ننسى أيضا وجود الجيش اللبناني فيه وتحوله إلى ثكنة عسكرية. وكشف خيامي أن الوزارة لا تستطيع أخذ الأمر بصرف الإعتمادات المالية لصيانة الملاعب فهذا الامر من اختصاص وزارة المال، وان كل ما بقدرتها فعله هو رفع الصوت عاليا ومطالبة وزارة المال بذلك إنما من دون إلزام بالتنفيذ.
وفي ما خص ملعب بعلبك، أكد خيامي أن الوزارة ستتسلم المنشأة قريبا لتصبح بمتناول الرياضة اللبنانية، أما مدينة أنصار الرياضية في الجنوب فالعمل في أول جزء قد انتهى والجزء الثاني لم يبدأ تنفيذه وهناك حاجة لبعض الوقت من أجل إتمام التنفيذ. ورفض القول بأنه لا توجد منشآت رياضية قادرة على استضافة أحداث رياضية، مشيراً الى ان هناك الكثير من المنشآت على غرار ملعب صيدا، المدينة الرياضية، ملعب بعلبك الأولمبي، ملعب طرابلس، ملعب بيروت البلدي وهي كلها منشآت مهمة بحاجة فقط إلى الصيانة وتأمين المال اللازم لها، موضحا أنه نظرا لظروف البلد السياسية والإقتصادية والأمنية الضاغظة، حصل بعض التقصير في تلك الملاعب ولكن مع تحسن الأمور قريبا ستعود المنشآت شبه جديدة وجاهزة لاستضافة كل المباريات والأحداث الرياضية الكبيرة والمهمة.
احمد قمر الدين
تمتلك عاصمة الشمال طرابلس ملعبا هو بعهدة بلديتها تتولى هي مسؤولية الإشراف المباشر عليه، ملعب رشيد كرامي البلدي الذي يستضيف مباريات فريقي الدرجة الأولى الطرابلسية "طرابلس والإجتماعي " ويتمتع بأرضية عشبية طبيعية مميزة تكاد تكون الافضل في لبنان فما السر وراء ذلك وما آخر أخبار مرافق الملعب ومدرجاته مع قرار نادي طرابلس بلعب مبارياته الأسيوية عليه وهل من تحسينات ستجرى على الملعب ومرافقه ؟
حملنا كل هذه الأسئلة وذهبنا بها إلى عضو بلدية طرابلس ورئيس اللجنة الرياضية فيها عضو الإتحاد اللبناني لكرة القدم أحمد قمر الدين فأجاب: لا شك بان ارضية الملعب البلدي في طرابلس مميزة بالنسبة لبقية الملاعب اللبنانية و يعود ذلك لاهتمام البلدية بالصيانة الدائمة للأرضية على مدار السنة وهي تزرع البذور الشتوية في كل عام قبل فصل الشتاء. لذلك يبقى العشب اخضرا في فصل الشتاء وعلى مدار السنة لأن الزرع يتم بطريقة صحيحة فضلا عن الري الدائم والمستمر بالمياه الحلوة والعناية اليومية بالعشب.
وردا على سؤال حول وجود نية لصيانة مرافق الملعب مع اعتماده من قبل نادي طرابلس للمباريات الأسيوية، أكد أن هناك مشروعا لإعادة تأهيل الملعب وقد رصدت البلدية المال الكافي للمشروع في موازنتها، ونحن ننتظرالظروف المناسبة للبدء بالتأهيل كما أننا بصدد تركيب كراسي بلاستيك للمدرجات وتاهيل غرف تبديل الملابس ليكون الملعب جاهزلاستقبال المباريات الآسيوية التي سيستضيفها نادي طرابلس بداية السنة القادمة.
وكشف قمر الدين أنه هناك أرض تم شراءها من قبل البلدية قرب الملعب لبناء قاعة رياضية مقفلة كي يتحول الملعب إلى ما يشبه المدينة الرياضية.وقال انه تم اتخاذ قرار تلزيم الدراسة في المجلس البلدي وهو في نهاية مرحلة التصديق من الجهات المختصة وستبدا الشركة بالدراسة فورا وستأخذ سبعة او ثمانية أشهر ليكون الملف جاهزا من كل الجوانب بما فبها ملف التلزيم، ويحتوي على جدول الكميات والمواصفات وجميع انواع الخرائط والرسومات، وستكون هذه القاعة اهم قاعة رياضية مغلقة في لبنان و ستكون جاهزة لاستقبال مباريات كرة السلة والطائرة وكرة الصالات وكرة المضرب. نرجو ان يوفقنا الله بإتمام هذا المشروع لخدمة شبابنا ومدينتنا.
كما يوجد بجانب ملعب طرابلس البلدي ملعب كرة قدم ثاني هو ملعب احتياط طرابلس ويتم حاليا فرشه بالعشب الصناعي ضمن مشروع "Fifa Goal". وكشف قمر الدين أن العمل بهذا المشروع بدأ منذ أشهر وقد أنجزت البلدية البنية التحتية للملعب وتم تأهيل غرف الملابس ولم يتبق سوى تركيب العشب الصناعي. كما أن هناك مشروعا لإنشاء مدرج للملعب ونحن كبلدية بصدد تلزيم الدراسة والتنفيذ في القريب العاجل.
في عام 2000، تم بناء ملعب طرابلس الأولمبي حيث كان من ضمن الثلاث استادت الأساسية التي استضافت البطولة وتميز بموقعه القريب من البحر كملعب صيدا وبشكله الهندسي الرائع لكنه عاني من الإهمال ومن عوامل طبيعية ومناخية أدت إلى أن يسوء حال الملعب ويصبح قليل الإستعمال مع أرضية غير جيدة ومرافق بلا أي صيانة. ويخضع الملعب الأولمبي في طرابلس لسلطة وزارة التربية عبر مجلس الإنماء والإعمار ويدير الملعب لجنة تشرف على صيانة وإدارة الملعب. ولمعرفة وضع الملعب عن قرب التقينا رئيس مجلس إدارة ملعب طرابلس الأولمبي ياسر عبوشي.
اعتبر عبوشي أن وضع أرضية ملعب طرابلس الأولمبي جيد جدا ومن أفضل الأرضيات الطبيعية في لبنان لكنها تعاني من ضغط كبير بعدد المباريات التي تقام على أرضها إذ يتراوح العدد شهريا ما بين 35 إلى 40 مباراة بين فئات عمرية ومختلف الدرجات من ثانية وثالثة ورابعة.
ورأى عبوشي أن عدة عوامل ساهمت في عدم حفاظ ملعب طرابلس الأولمبي كمنشأة رياضية على وضعه الطبيعي بعد افتتاحه عام 2000، أولها أن المنشأة بنيت في فترة قصيرة لم تتعد العشرة أشهر، ثانيها موقع الملعب الجغرافي وقربه من البحر، وأشار إلى أنه وإن كان موقع ملعب صيدا مشابها لملعب طرابلس إلا أن البضاعة والمواد التي استعملت في صيدا هي غير تلك المستعملة في طرابلس من ناحية مقاومة المياه والرطوبة وملوحة الهواء البحري كما أن الحمامات لم تكن مسقوفة بل وضعت لها أسقف مستعارة إضافة إلى أن ساعة التوقيت الإلكتروني غير شغالة وهي بحاجة إلى صيانة من جديد.
ورغم كل هذه الأمور يبقى ملعب طرابلس الأولمبي، ودائما بحسب عبوشي، جاهزا في أي وقت لاستضافة أي مباراة. وكشف أن الميزانية المخصصة من قبل الدولة عبر وزارة الشباب والرياضة لصيانة الملعب سنويا هي 320 مليون ليرة وهي نفس الميزانية المصروفة للمدينة الكشفية في جبيل لكنها لا تكفي لكل مصاريف الملعب من صيانة للعشب، رش أدوية، ري، حراسة، نظافة وإلى ما هنالك.
ولفت الى انه في عهد وزير الشباب والرياضة السابق فيصل كرامي، قامت شركة لاسيكو بدراسة كاملة لترميم الملعب بتكلفة حوالي 9 ملايين دولار تعيد الملعب إلى أفضل مما كان عليه عام 2000 بعد إجراء الكثير من التحسينات عليه، واجراء بعض الإضافات كما تمت دراسة تانية لردم البحر على مساحة 40 ألف متر مربع وبناء منشآت جديدة لمدينة رياضية لكن استقالة الحكومة عام 2009 حال دون إكمال المشروع، ربما بسبب الوضع الإقتصادي وربما رأت الدولة أن 9 ملايين دولار كثيرة مع أنه ممكن إتمام المشروع على شكل تقسيط لمدة ثلاث سنوات، متسائلا: الا يستحق ملعب بقيمة 100 مليون دولار ويسع لـ24 ألف شخص وهو طرابلس الأولمبي صيانة ب9 ملايين دولار كي يعود إلى سابق عهده ؟
وفيما خص عدم استضافة الملعب لمباريات الدرجة الاولى مع وجود فريقين من طرابلس هما نادي طرابلس ونادي الإجتماعي قال أن إدارتي الناديين تفضلان اللعب على الملعب البلدي لأنه أقرب لقلب المدينة، وبالتالي يسهل على جماهيرهما الوصول إليه بمسافة زمنية قصيرة جدا لكن الملعب الأولمبي جاهز في أي وقت لاستضافة أي مباراة في الدرجة الأولى دون اي مشاكل.
وحول ما أثير عن تواجود للجيش اللبناني في ملعب طرابلس واتخاذه من الملعب ثكنة عسكرية، نفى عبوشي هذا الأمر مؤكدا أن الجيش وبسبب الوضع الامني في مدينة طرابلس أخذ بعض الغرف الخارجية في الملعب لكنه لا يتدخل في أي شيئ لا من الناحية الإدارية ولا من ناحية دخول الجماهير والفرق.
يعتبر ملعب برج حمود من الملاعب التاريخية في لبنان وهو يتبع حاليا لبلدية برج حمود ولقد حاولنا التواصل مع مجلس إدارة بلدية برج حمود للسؤال عن وضع الملعب والخطط المستقبلية به لكننا لم نحظ بالرد عند محاولة الإتصال بإدارة الملعب. لكن الملعب يستضيف حاليا مباريات الدرجة الأولى والثانية وأرضيته العشبية الطبيعية تبدو في حالة جيدة كما أن مرافقه جيدة لكن بالحد الأدنى وهي بحاجة إلى بعض التصليحات والتحسينات.
أما ملعب بحمدون فبعد فرش أرضه بالعشب الصناعي أصبح يستضيف العديد من مباريات الدرجة الأولى والثانية و باقي الدرجات والفئات لكنه لا يتمتع بسعة جماهيرية إذ أن مدرجاته صغيرة كما أن مرافقه بحاجة إلى كثير من التحسين.
ننتقل إلى العاصمة بيروت حيث يوجد ملعبان كبيران هما ملعب المدينة الرياضية وملعب بيروت البادي إضافة إلى ملاعب الأندية الكبرى كملاعب النجمة، الصفاء، الأنصار والعهد والاخيران فرشت أرضهما بعشب صناعي ويستخدمان في ملاعب الدرجة الثانية والثالثة وباقي الدرجات لكنهما لا يستقبلان مباريات تلك الفرق المذكورة بسبب صغر حجمهما نوعا ما وعدم قدرتهما على استيعاب أي حشد جماهيري.
المدينة الرياضية هي المنشأة الرياضية الأكبر في لبنان، بسعة تقدر ب56 الف متفرج، لها مجلس إدارة خاص يديرها وينظم شؤونها. غير أنها غائبة عن المشهد الكروي منذ فترة ليست بالقصيرة بسبب أزمة عشبها الذي لم ينبت بعد وبسبب تواجد قوى الجيش وتحديدها لعدد الجماهير في حال استضافة أي حدث رياضي.
الملعب الثاني هو ملعب بيروت البلدي الذي يسع ل22 ألف متفرج، ويخضع لإشراف بلدية بيروت وهي التي تديره. التقينا مدير ملعب بيروت البلدي محمد دوغان الذي قال أن البلدية تقوم بصيانة دورية للملعب ولمرافقه على نفقتها الخاصة دون أي مساعدة من الدولة وهي أصلا ليست بحاجة لأنها تستطيع التكفل بكل ما يحتاجه الملعب. الأمر الوحيد الذي يؤجل عملنا هو الأمور الروتينية في موضوع صرف الإعتمادات المالية للملعب من قبل البلدية التي تأخذ وقتها كما هو معلوم، لكن في المحصلة العامة البلدية تقوم بواجباتها كاملة تجاه الملعب من الناحيتين المادية والإدارية.
وردا على سؤال حول عدم استضافة الملعب لأي مباراة أجاب: الملعب كان بتصرف المنتخب اللبناني خلال تحضيراته للتصفيات المونديالية والاسيوية والتي استمرت من أوائل شهر تموز إلى 14 أيلول، ما استهلك من أرضية الملعب. ثم زرعنا الأرضية في منتصف أيلول وهي احتاجت لمدة 40 يوما كي تنبت بالشكل المطلوب واليوم أصبح الملعب جاهزا لاستقبال مباريات الدوري حتى في المساء بسبب وجود أعمدة الإنارة الليلية، وهو كان قد استقبل تدريبات منتخب لاوس الأخيرة خلال مباراته مع لبنان.
دوغان ختم حديثه بالقول أن ما يؤخر القيام بصيانة شاملة للملعب وتجديد كافة مرافقه هو الإنتظار فيما خص مشروع الملعب الجديد الذي تنوي البلدية إقامته في منطقة الحرج-قصقص. فليس من المنطقي القيام بالصيانة والتحسينات دون معرفة مصير الملعب وإن كان سيهدم أم لا، لكن في القريب العاجل ستتوضح كافة الأمور وفي حال بقي الملعب سيشهد دون أدنى تحسينات ستطال مرافق الملعب كله من غرف الملابس والمنصة الرئيسية ومدرجات الملعب وصولا إلى الأرضية.
بالنسبة إلى بلد مثل لبنان ومساحته الصغيرة ، فهو يمتلك وفرة في الملاعب من ناحية عددها وتوزيعها الجغرافي، لكن كل ما تحتاجه هو اهتمام دائم وصيانة متواصلة والتزام إداري ومالي كي تبقى تعج بكرة القدم وبضجيجها بدلا من أن تصبح كبيوت فارغة لا صوت فيها ولا حماس ولكي لا تذهب الأموال التي صرفت على بنائها هدرا، فهل من مستمع ومجيب ؟
احمد علاء الدين