لا يعلم كثيرون أن رياضة المبارزة هي إحدى أهم الألعاب الفردية المميزة في لبنان حيث دائما ما يحقق لاعبو هذه الرياضة نتائج لافتة في المشاركات الخارجية خصوصا على الصعيد العربي. وقبل الدخول في واقع هذه الرياضة حاليا وعن أبرز نتائجها والصعوبات التي تواجهها لا بد من التعريف عن هذه اللعبة.
سيف الشيش أو المبارزة رياضة يستخدم بها نوع خاص من السيوف إضافة إلى زي معين ذي لون أبيض وقناع على الوجه.
أسلحة المبارزة ثلاثة أنواع هي: سلاح الشيش – فلوريه / سلاح سيف المبارزة ايبه / سلاح السيف سابر.
وهذه الأنواع الثلاثة تختلف في أشياء محددة، إلا أنها تتشابه في الوصف الشامل لأجزاء السلاح الذي يتكون أساسا من مجموعتين أساسيتين: النصل ومجموعة المقبض.
أما الأدوات اللازمة للاعب هي: قناع الوجه (ماسك) وهو مصنوع من شبك معدني / بنطلون قصير
يثبت عند الركبة مباشرة في سلاح الشيش والسيف / جوارب بيضاء / حذاء خفيف / واقي الصدر يصنع من قماش أبيض متين مبطن ليحمي اللاعب من اختراق السلاح.
تقام المباريات بين لاعبين على أرضية مخصصة تكون مساحتها محددة ويبلغ طولها 14 مترا وعرضها متر ونصف. كذلك يتم إيصال المتبارزين بأجهزة إلكترونية عن طريق أسلاك وتكون هذه الأجهزة الإلكترونية مخصصة لتسجيل النقاط في حال حصول تلامس.
في لبنان، يدير الإتحاد اللبناني للمبارزة اللعبة حاليا ويتراس الإتحاد زياد الشويري وتعتبر أندية المون لاسال، التعاضد والجيش اللبناني أبرز الاندية حاليا في هذه الرياضة.
ما هو واقع هذه الرياضة في لبنان وما هي ابرز النتائج والإنجازات ؟ وما هي المشاكل والصعوبات التي تواجهها اللعبة ؟ اسئلة سنحاول الإجابة عليها والإضاءة على لعبة لا يعرف اللبنانيون عنها الكثير.
سهيل سعد
هو لاعب سابق ومدرب حالي في نادي التعاضد المزرعة كما يشغل منصب نائب رئيس إتحاد المبارزة، عاصر لعبة المبارزة منذ أكثر من خمسين عاما، إنه سهيل سعد الذي بدأنا الحديث معه بسؤاله عن رؤيته للواقع الحالي للعبة المبارزة في لبنان فأجاب: إنتشار اللعبة للأسف ليس كبيرا ودائما ما نذهب للمشاركات الخارجية بفريق ناقص ورغم ذلك نحن نحاول دائما أن نبقى في الأجواء من خلال إقامة تمارين للاعبين في أندية التعاضد، المون لاسال والجيش اللبناني مع المدربين المحليين الذين يعملون معنا.
يعتقد سعد أن الإقبال القليل من قبل الصغار على اللعبة يعود أولا إلى أن اللعبة بدايتها مكلفة فبين البدلة، السيف والقناع يحتاج اللاعب إلى حوالي الألف دولار، ما يعني أنه ليس من السهولة في بلد مثل لبنان يعاني من وضع اقتصادي صعب أن يبدأ الشاب الصغير بها لكن رغم ذلك فنحن لدينا جيل صغير موهوب جدا استطاع أن يحرز لقب بطولة غرب آسيا في نسختها الاخيرة لسن تحت ال 14 وتحت 16 عاما.
ويصف اللعبة بأنها لعبة شاملة وهي تسمى في الغرب لعبة النبلاء لأنها تعتبر فنا ورياضة وأخلاق، وهي في السابق كانت إحدى أهم الالعاب في لبنان وكان لبنان محطة لأهم الدورات الأجنبية لكن للأسف الآن ورغم سعينا كإتحاد لدعوة الدول للمجيئ واللعب في لبنان إلى أن هناك رفضا خصوصا من قبل دول الخليج والسبب بالطبع أمني وسياسي فالبلد غير مستقر من تلك الناحيتين.
ولا يخفي أنه لا يلمس اندفاعا اتحاديا للعمل حيث الإهتمام ليس كما كان في السابق، ويشير هنا إلى أن كثرة الإقبال على الرياضات القتالية مثل التايكواندو، الكونغ فو خصوصا من الجيل الصغير أثر سلبا على رياضة المبارزة. ومع اعترافه بأن الدور الإتحادي يجب أن يكون أكبر، يرى سعد أن الإمكانيات المتوافرة للإتحاد ليست كثيرة وهو يعمل ضمن ما يتوفر له.
بالنسبة لسعد، لا تلعب الدولة دورا فاعلا في دعم رياضة المبارزة، وحصة الإتحاد من مساعدة وزارة الشباب والرياضة تبلغ خمسة وثلاثين مليون ليرة وهي تسد نصف ميزانيتنا تقريبا لكننا لم نحصل عليها حتى الآن بسبب بعض المشكلات التقنية.
يتحضر منتخب لبنان حاليا للمشاركة في بطولة آسيا حيث قال سعد أن المنتخب سيتألف منه ومن مدرب آخر وستة لاعبين ولاعبات، والبعثة ستسافر على نفقتها الخاصة وهذا أمر معيب جدا. نحن سنسعى للمنافسة وفي فئة تحت 16 عاما لدينا امل كبير بلاعباتنا خاصة كما لدينا في الفردي أنطوني شويري وهو ابن رئيس الإتحاد زياد شويري، لكن في حال مواجهتنا دول مثل الصين، كازاخستان، الفيليبين من الادوار الاولى فإن الأمور ستكون صعبة جدا.
وفيما خص دورة الالعاب الأولمبية المقبلة في ريو دي جانيرو الصيف القادم، أكد سعد أننا سنشارك بمنى شعيتو ودومينيك طنوس. هاتان اللاعبتان تعيشان خارج لبنا ولديهم مدربين أجانب، منى هي بطلة آسيا ودومينيك المصنفة رابعة عالميا في فئة الناشئات، ونحن كإتحاد ليس لدينا فضل عليهن لكننا دوما على اتصال معهن. كما أشار سعد إلى أن لدينا اللاعبة ريتا أبو جودة هنا في لبنان وهي لاعبة مميزة ومن الممكن أن تشارك في الأولمبياد وختم سعد حديثه بتوجيه شكر إلى فريق الجيش اللبناني الذي يساعدنا كثيرا من ناحية المدربين والمعدات إضافة إلى أمور التحكيم وتنظيم الدورات وإلى ما هنالك متمنيا ان تعود لعبة المبارزة إلى سابق عهدها رغم عدم تفاؤله بهذا الأمر في ظل الجمود الذي تشهده اللعبة والرياضة بشكل عام في لبنان حاليا.
يعتبر نادي المون لاسال من أبرز الأندية الرياضية المدرسية وهو يضم العديد من الرياضات منها رياضة المبارزة وللإطلاع أكثر على وضع هذه الرياضة التقينا مسؤول رياضة المبارزة في النادي عماد نحاس. يخبرنا نحاس في البدايةأن لعبة المبارزة هي واحدة من أهم ثلاث رياضات فردية في لبنان ونحن لدينا نتائج مميزة خارجيا فلاعبونا المحليين خارجيا يحققون البطولات العربية. لكن للأسف اللعبة تعاني من شح مالي، ما أدى إلى تراجع مشاركاتنا الخارجية وسفرنا ببعثات ناقصة ومن دون عدد كاف من المدربين واللاعبين.
يضم نادي المون لاسال حاليا حوالي خمسين لاعبا ولاعبة من جميع الفئات العمرية ويمتلك النادي صالة شرعية ومجهزة بكافة التجهيزات والمواصفات الدولية وتقام عليها معظم البطولات المحلية.
وعما إذا ما كان هناك خطة لنشر اللعبة في مدرسة المون لاسال في صفوف الأولاد الصغار كون النادي يتبع لها يعترف بأن هناك تقصير في هذه الناحية، فلا استعراضات كافية ولا وجود لمدربين محترفين، العائق الأول في هذا المجال هو أن جميع المدربين يعملون عملا ثانيا بجانب التدريب ما يصعب من تواجدهم صباحا في المدرسة لإعطاء حصص للتلاميذ وهذه بالطبع مشكلة كبيرة.
يتلقى نادي المبارزة دعما من إدارة المدرسة وهو لديه ميزانية خاصة من نادي المون لاسال الرياضي، ولا يوجد مساعدة اتحادية للأسف، مع أننا كنادي نحقق نتائج مميزة خارجيا ونرفع اسم لبنان عاليا وذلك مع وجود أندية وهمية تتقاضى مساعدات وناد كالمون لاسال ليس لدينا اي مساعدة رغم أننا من أبرز الأندية في هذا المجال.
ويضيف: ان إقبال الرعاة على اللعبة قليل جدا، ففي بعض الأحيان يستطيع اللاعبون وبجهود فردية تأمين رعاة ولكن بشكل محدود لا يكفي للتحضير بشكل محترف وللسفر والمشاركة في دورات خارجية أو استقدام مدربين وإلى ما هنالك. وسأل نحاس، عندما يتم صرف ملايين الدولارات على لعبة جماعية كي نذهب ونلعب ثلاث مباريات ونخسر، أليس من الأجدى أن نصرف جزء صغير من هذا المبلغ على لاعب في لعبة فردية يستطيع تحقيق نتائج ورفع اسم لبنان عاليا ؟ هل يعلم البعض أن المبارزة جلبت للبنان العديد من الميداليات العالمية في فترة الستينات والسبعينات ؟
الأمر سهل بحسب نحاس ونحن كنا أمام كل الدول العربية في هذه اللعبة وما زلنا رغم كل امكانيات الدول العربية المادية الكبيرة فنحن نذهب ونفوز بالعديد من الفئات في لعبة المبارزة رغم كل الظروف. وكشف نحاس أنه بمبلغ خمسين ألف دولار أميركي نستطيع تجهيز بطل عالمي في لعبة المبارزة إذا ما كان يمتلك الموهبة والموهبة في لبنان موجودة حيث لدينا العديد من اللاعبين الذين يستطيعون الذهاب بعيدا في حال تم دعمهم بشكل صحيح.
ولا يخفي أنه للأسف فقدنا الكثير من المواهب بسبب قلة الدعم المادي حيث يصل اللاعب إلى مكان يحرز فيه جميع الألقاب المحلية فيكبر طموحه ويبحث عن تحديات جديدة تكمن بالسفر والمشاركة في بطولات عالمية لكن للأسف لا يوجد إمكانيات مادية لتغطية نفقات هكذا أمور ونحن لا نقدر مساعدته فيهجر اللعبة ويتركها لأنه لم يجد طموحه فيها. هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لنا ولكننا كأندية لا نستطيع القيام بأكثر من طاقتنا.
وختم حديثه بتوجيه رسالة للرعاة مفادها أننا بمبلغ مالي قليل نحن باستطاعتنا فعل الكثير واللعبة لا تحتاج إلى أموال طائلة بل إلى مبالغ متوسطة كي ندفعها نحو العالمية. كما دعا الجمهور إلى متابعة اللعبة لأنها لعبة جميلة ودعا إلى تشجعهم لممارستها. كما ناشد المسؤولين الرياضيين تغيير العقلية التي تدار بها الرياضة في لبنان لأنه حرام أن تضيع مواهب بسبب الإهمال وسوء التخطيط الإداري والفني.
انطوان عنيسي
تبرز في لعبة المبارزة العديد من المواهب الصغيرة الناشئة التي أحبت هذه اللعبة وتسعى جاهدة لتحقيق أهدافها وطموحاتها، إحدى هذه المواهب هو بطل لبنان تحت 18 سنة وثالث العرب، أنطوان عنيسي صاحب الستة عشر عاما والذي التقيناه فبدأ حديثه بالقول أنه بدأ ممارسة اللعبة منذ عمر الست سنوات في نادي المون لاسال. أنطوان الذي كان في فرنسا منذ صغره واللعبة هناك حسب ما أخبرنا منتشرة جدا ومشهورة فكنت أتابعها على التلفاز وأحببتها كثيرا. عندما أتينا إلى لبنان، تسجلت بمخيم صيفي في المون لاسال وكانت لعبة المبارزة جزءا من المخيم فجربتها وكانت البداية وأنا حاليا في كل صيف أعطي دروسا للأطفال الصغار في هذه اللعبة في نفس المخيم بالذات. أبرز إنجازات عنيسي هي بطولة لبنان تحت ال14 سنة عام 2013 وبطولة لبنان تخت ال16 سنة عام 2014 إضافة إلى بطولة لبنان لعام 2015 لتحت 18 عام مع احتلال المركز الثالث في البطولة العربية أيضا.
وفي ظل غياب دعم الدولة في لبنان للعبة، يعتبر عنيسي أنه للأسف الإتحاد غير قادر على مساعدتنا في موضوع السفر للخارج دائما كي نحقق نتائج على الصعيد الخارجي، ونادي المون لاسال استطاع تأمين نفقات مشاركتنا في بطولة آسيا المقبلة وهم مشكورون على ذلك دون ان ننسى أنهم يؤمنون لنا أفضل المدربين وأحيانا يستقدمون مدربين من إيطاليا وهذا امر يطورنا كثيرا. عنيسي يؤكد بأن المنتخب اللبناني قوي للغاية ويستطيع حصد بطولات خارجية عديدة لكن ما ينقصنا هو المساعدة المادية ونحن حاليا ندفع من جيبنا الخاص للمدربين وللمشاركة في أي دورة أو بطولة.
ويرى أن المستوى بالنسبة للعرب قوي لكننا مع قلة مشاركتنا الخارجية بالنظر للشح المادي، نحن نتراجع وغيرنا يتقدم. ولكي تتقدم اللعبة، يرى عنيسي أنه لا بد من دعم الدولة للعبة كي نجلب معدات تدريبية اكثر تطورا إضافة إلى مدربين من الخارج مع معسكرات خارجية ومشاركات أكثر وهذا بالطبع يستلزم مالا لذلك على الدولة أن تقوم بخطوة ما تجاه هذه الرياضة.
وختم عنيسي الحديث بشكر الأشخاص القلائل في الإتحاد اللبناني للمبارزة الذين يعملون بجهد خصوصا عماد نحاس الذي يقوم بكل ما يستطيع من أجل تأمين إحتياجاتنا كلاعبين و أكد انه لو تم دعمنا كلاعبين بالشكل المطلوب، نحن قادرين وبكل صراحة على أن نصل إلى العالمية في هذه اللعبة.
كحال العديد من الرياضات، تمتلك رياضة المبارزة في لبنان العديد من المواهب وهي من دون أدنى شك تستطيع تحقيق الكثير من الإنجازات للرياضة اللبنانية، وجل ما تحتاجه هي رعاية واهتمام مادي ومعنوي من قبل القيمين على الرياضة اللبنانية، عندها سنرى أبطالا لبنانيين على أعلى منصات التتويج عربيا وأسيويا ولم لا عالميا.
احمد علاء الدين