شهدت لعبة كرة اليد تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة حيث عانت كثيرا خاصة بعد مشاكل عصفت باللعبة من بطولة لم تستكمل إلى انسحاب أندية كبيرة من اللعبة. تراجع أثر كثيرا على المستوى الفني للعبة وعلى المشاركات الخارجية سواء للمنتخبات الوطنية أو للأندية. فمن إنجازات خارجية مميزة إلى لعبة لم يعد يتابعها إلا قلة قليلة من الجمهور مع تغطية تكاد تكون نادرة من الإعلام الرياضي، فمن المسؤول ؟ ولماذا هذا التراجع المخيف ؟
تتعدد الاراء حول من يتحمل مسؤولية التراجع هذا، فمنهم من يحمل المسؤولية للإتحاد الذي لم يتعامل مع اللعبة بشكل جيد ومنهم من يرجع بالامر إلى الظروف الصعبة التي يعيشها البلد والتي تنعكس سلبا على الرياضة اللبنانية بشكل عام وعلى الرياضات الجماعية بشكل خاص.
ولمعرفة واقع اللعبة الحالي عن قرب وأسباب انهيار المستوى العام لها، إضافة إلى الحلول المقترحة للنهوض بها مجددا، كان لا بد من التوجه إلى نائب رئيس الإتحاد اللبناني لكرة اليد أحمد درويش الذي حملنا له مجموعة من الأسئلة عن واقع اللعبة والاسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن.
احمد درويش
يعتبر درويش أن الوضع المحيط بلبنان أثر كثيرا فكي تؤسس لكرة يد قوية، يجب أن تحتك بفرق اعلى منك مستوى وهذا كان يحصل من قبل لكن الأوضاع الأمنية السائدة في دول الجوار كسوريا، العراق والاردن أثرت سلبا علينا حيث كنا نقيم معسكرات شهرية في سوريا التي لديها قاعدة قوية في كرة اليد. الوضع الإقتصادي أيضا اثر على سير اللعبة فمثلا نحن بلا اي مساعدة من وزارة الشباب والرياضة منذ حوالي الثلاث سنوات وكنا نأخذ حوالي 100 مليون ليرة كمساعدة تنشط اللعبة لكنها الأن متوقفة.
فمع توقف المداخيل واستمرار النشاطات كدوري الدرجة الأولى والثانية التي تتطلب أموالا يكون من الطبيعي ان ينحدر مستوى اللعبة مع أيضا وضع مزري للأندية المحلية فلا لاعبين ومدربين اجانب ولا ميزانيات عالية ترصدها الأندية، كل هذا كان له أثر سيئ أيضا على اللعبة.
رغم هذا، يؤكد درويش أن الإتحاد ليس واقفا مكتوف الايدي تجاه هذه الأمور، بل يحاول قدر المستطاع القيام بنشاطات لعل أبرزها إقامة دروة للمدربين في نيسان حيث حاضر فيها محاضر أردني أرسله الإتحاد الدولي شارك فيها حوالي 30 مدربا، وذلك من باب محاولة الإتحاد تجهيز كادر تدريبي وفق معايير دولية، كذلك الامر بالنسبة للإعلان عن دورة قريبة للتحكيم في كرة اليد. هذه الأمور هي برأي درويش بنى تحتية يحاول الإتحاد بناءها من أجل رسم مستقبل افضل للعبة. كما اشار درويش إلى أن في برنامج الإتحاد بطولتان للفئات العمرية سيقيمهما بعد شهر رمضان المبارك وهو يعلق أمالا عليهما لأنهما سيضمان الكثير من الوجوه الناشئة.
فيما خص محاولات نشر اللعبة إعلاميا وجلب رعاة للعبة، يعترف درويش أن الإتحاد لا يعمل حاليا على هذا الامر لكن الفكرة مطروحة ويتم وضع إطار ناجح لها لان هناك تجربة فاشلة في هذا السياق ولا يريد الإتحاد تكرارها خاصة أن أي راعي لا يحبذ المجيء على دوري غير منقول تلفزيونيا ولا يحظى بمتابعة جماهيرية.
يركز الإتحاد حسب درويش على موضوع نشر اللعبة في المدارس بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة عبر الوحدة الرياضية وهذه السنة كان الإقبال على البطولات المدرسية قوي جدا حيث شهدت معظم المحافظات مشاركة أكثر من ثماني تسع فرق وندعو الأندية إلى متابعة هذه البطولات من أجل رؤية اللاعبين الناشئين الموهوبين عسى أن ينضم بعض منهم إلى صفوف الأندية كي يطوروا من مهاراتهم فنحن كإتحاد لا نستطيع أيضا الحلول مكان الأندية. لبنان لديه خامات كبيرة في الجامعات خاصة لكن المشكلة أنه لا يوجد اهتمام ودعم مادي لهم خاصة أن الأندية لا يوجد بنى تحتية لها. درويش لفت أن اللعبة لا شك تأثرت بغياب بعض الأندية عنها كالسد، حارة صيدا والتي آثرت هجر اللعبة لأسباب عديدة لكن النشاط ما زال مستمرا رغم أنه بنشاط محدود.
فيما خص المشاركات الخارجية، قال درويش إن لبنان يشارك لكن ليس في كل الإستحقاقات الخارجية بسبب قلة الأموال وعدم مساعدة الوزارة لنا في تغطية نفقات تمثيل لبنان في الخارج.
درويش ختم حديثه بالقول أنه متفائل باللعبة وهدف الإتحاد الآن هو تسيير هذه المرحلة الصعبة قدر الإمكان وأنا متأكد أنه عندما تهدأ الأوضاع حوالينا سنأخذ خطوات إلى الأمام على صعيد إعادة اللعبة إلى ما كانت عليه، هي مرحلة صعبة لنا جميعا لكنها ستمر، أنا واثق من ذلك.
تتنافس في دوري الدرجة الأولى لكرة اليد ثمانية أندية وقد حاولنا الإتصال ببعض المدربين الذين فضلوا عدم الحديث في هذا الوقت من الدوري حيث وصل إلى وقت الحسم مفضلين التركيز مع فرقهم. من هنا لجأنا لنادي يعمل بطريقة مختلفة، ويحاول التأسيس من جديد، مع الإعتماد فقط على لاعبين صغار، هو نادي تول الرياضي الذي يلعب في الدرجة الثانية حيث التقينا مدربه عبدالله عساف.
عبدالله عساف
يرى عساف أن هناك مواهب كبيرة في عالم كرة اليد خاصة عن الجيل الناشئين اكتشفها من خلال التعامل معهم لكن المشكلة هي في كيفية دعم هذه المواهب والإستفادة منها على المستويات الأعلى.
ويعتقد عساف أن تراجع اللعبة إلى الشكل التي وصلت إليه حاليا يعود لاسباب عديدة أهمها الجو العام الرياضي، الذي يعاني من أزمة حقيقية إضافة إلى الوضع الإقتصادي السيئ الذي يسود لبنان. الأمر الأهم هو عدم تشجع الأولاد لممارسة الرياضة واتجاههم نحو أمور أخرى مع خوف الاهل من إرسال أولادهم إلى الملاعب الرياضية خوفا من الوضع الأمني. ويرى عساف أن دخول أكثر من نادي في الفترة الماضية وصرف المبالغ الهائلة أثر على حماس الأندية الأخرى، فأندية كرة اليد بشكل عام أندية أحوالها المادية غير ميسورة وبالتالي أصبحنا نقول: إلى أين وماذا بعد ؟ للأسف اللعبة بمحل ما تأثرت بهذ العقلية وما زالت حتى الآن لأنها في محل ما شعرت باليأس ولم تتابع عملها بالشكل المطلوب. كل هذا لا ينفي أن الإتحاد عليه العمل بشكل أفضل من أجل تحسين اللعبة رغم كل الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها.
ودعا عساف إلى وضع خطة تطويرية للعبة تركز على إحياء الرياضة المدرسية ودعم المدارس التي تمارس لعبة كرة اليد إضافة إلى إقامة معسكرات في كافة المحافظات من أجل احتكاك أكبر بين جميع اللاعبين. الأمل هو بالناشئين وبجيل جديد من الصغار يستطيع حمل اللعبة مجددا والنهوض بها. عساف طلب من الوسائل الإعلامية الإهتمام أكثر بكرة اليد ونشر أخبارها من أجل لفت نظر الجمهور وتشجيعه على الحضور ومتابعة اللعبة.
عساف ختم بالقول أن مستوى اللعبة لن يطول هكذا وهي غيمة صيف وستمر مهما طال وقتها، وهو متأكد من ذلك عبر عمله مع اللاعبين الصغار واحتكاكه بهم، لأن مواهب كبيرة هي فقط بانتظار أن تأخذ فرصتها مع نادي كبير مؤكدا أن جيلا جديدا من اللاعبين سيبزغ بعد فترة وهو قادر إن توفرت له العوامل الفنية والإدارية مع الإستقرار المالي أن يعيد لبنان إلى الخارطة العربية والاسيوية بقوة في كرة اليد ويرجع مجد هذه اللعبة شيئا فشيئا.
من الحديث مع المدربين، كان لا بد من الحديث مع اللاعبين الذين هم اساس اللعبة. الإتجاه كان نحو أحد اللاعبين المميزين في اللعبة، وقائد نادي الجيش الذي يتميز بقراءة مميزة للعب إضافة إلى حس تهديفي عالي. الحديث هنا عن قائد فريق الجيش أكرم الشيخ حسين الذي كان لنا لقاءا معه.
أكرم الشيخ حسين
بدأ الشيخ حسين ممارسة اللعبة منذ أن كان ولدا مع نادي مار الياس قبل أن يدخل الجيش ويصبح لاعبا في نادي كرة اليد منذ عام 1999. يقول الشيخ حسين أن اللاعب إذا لم يحب كرة اليد لا يمكن أن ينجح فيها وهو جرب الكثير من الألعاب ككرة القدم وكرة السلة لكن كرة اليد هي التي جذبته منذ صغره، ففيها حماس غير موجود في الألعاب الأخرى وروح جماعية كبيرة إضافة إلى أن اللاعب في الملعب يحصل على قسم كبير من الحرية ما يسمح له بأن يبرز مهارته والجانب الإبداعي فيه كلاعب.
ويرى الشيخ حسين أن اللعبة في لبنان تعاني حاليا وهي ليست قوية بما فيه الكفاية حيث لا يلعب الإعلام دوره في الإضاءة على اللعبة ونشرها إضافة إلى الإمكانيات المادية المتواضعة التي لدى الإتحاد والتي تعوق عمله كثيرا.
ويشير الشيخ حسين إلى أن حرب تموز 2006 اثرت كثيرا على اللعبة التي كانت سائرة بوتيرة تصاعدية لكن تهدم مقر الإتحاد والعديد من الملاعب أرجع اللعبة إلى الوراء حتى إنها فعليا بدأت من جديد منذ عام 2006.
يقول الشيخ حسين بأن العمر المفضل للاعب الناشئ كي يبدأ كرة اليد هو السبع سنوات وبالطبع إذا لم يبدأ من هذا العمر في المدرسة سيعاني فيما بعد مشيرا إلى أن عدم وجود أكاديميات خاصة تعلم اللعبة يؤثر أيضا بشكل سلبي خاصة مع عدم اهتمام المدارس كثيرا بلعبة كرة اليد حيث تتجه إلى العاب أخرى للأسف.
يعتبر الشيخ حسين أن الجيش هو من الأندية المؤسسة لكرة اليدوهو يلعب منذ فترة طويلة في بطولة الدرجة الأولى كما أن لعبة كرة اليد هي من أهم الرياضات عند الجيش ويوليها أهمية كبرى.
في البطولة المحلية الحالية، يقول الشيخ حسين أن هدف فريق الجيش هو بلوغ المربع الذهبي من بعدها لم لا الوصول إلى النهائي، ونحن نتساوى بالإمكانيات مع الفرق المنافسة لكن في حال استعانت الفرق بأجانب فهذا سيعطيهم تفوقا علينا لأننا نحن بحسب قوانين الجيش لا يحق لنا الإستعانة بلاعبين أجانب، ورغم هذا أنا لست ضد فكرة استعانة الأندية الأخرى بلاعبين أجانب لأنها ستعطي دفعا للعبة وترفع من إبقاع اللعبة وتطور للاعبين اللباننيين الذين أعتبرهم من أهم اللاعبين في المنطقة.
وختم الشيخ حسين حديثه بتوجيه رسالة للأهل من أجل عدم إجبار أولادهم على ممارسة رياضة معينة بل السماح لهم بممارسة أكثر من لعبة ومن ثم يختار الولد اللعبة التي يحبها وأنا متأكد من أنه لو سنحت للاولاد فرصة ممارسة لعبة كرة اليد لاختارها من دون أي تردد لأنه سيجد فيها أمورا كثيرة مختلفة عن الألعاب الجماعية الأخرى.
واقع لا يدعو للتفاؤل ولعبة تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة ولا يبدو في الافق أي إشارات إيجابية فمن لعبة وصلت بلبنان للعالمية إلى لعبة تتنفس عبر الأوكسيجين الصناعي وتبحث عن مجرد استمرار، أمر نتمنى أن لا يستمر طويلا لأن لعبة كرة اليد في لبنان لا شك تستحق أفضل من هذا بكثير.
احمد علاء الدين