لم تعد الرياضة مجرد مجال للتسلية أو تنافس من أجل حصد الكؤوس والجوائز بل أصبحت صناعة تدر أموالا طائلة ومصدرا أساسيا يعتمد عليه اقتصاد الكثير من الدول. ودخلت عدة عناصر على الرياضة ساهمت في تطورها، منها العنصر الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، وانتقلت من عصر الهواية إلى عصر الإحتراف وفق أسس علمية وبناء على دراسات وضعها خبراء واختصاصيون في علم الإدارة الرياضية الذي ازدهر كثيرا في الخارج وأصبح يدرس في أهم جامعات العالم بكليات خاصة به.
في لبنان ما زالت الرياضة ساحة للهواية، وعلى الرغم من أننا قطعنا في بعض الألعاب أشواطا نحو نصف الإحتراف ككرة السلة مثلا، إلا أن علم الإدارة الرياضية ما زال مجهولا في لبنان إن صح التعبير، وإن كنا لا نريد الجزم، فيصعب علينا ذكر مدير نادي أو مدير لعبة صاحب اختصاص بالإدارة الرياضية، والهدف هنا ليس التقليل من شأن أي مسؤول رياضي الذي نحترمهم ونقدر عملهم جميعا لكن ما يتبادر إلى ذهننا هنا هو متى سنرى أصحاب الشهادات الرياضية يتولون مناصب رياضية رفيعة ؟ وما هي العلاقة الحالية بين العلم والرياضة في لبنان ؟
وفي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، قامت صحيفة السبورت الإلكترونية بتحقيق عن مدى انتشار علم الإدارة الرياضية في لبنان وهل سنرى يوما ما قانونا ينص صراحة على أن لا يتولى أي شخص منصبا رياضيا إداريا إن لم يكن حائزا على شهادة جامعية في إختصاص الإدارة الرياضية ؟
زينة مينا :الجامعة الأنطونية تواكب تطور الرياضة الحاصل في العالم
البداية كانت من الجامعة الأنطونية التي كانت أول من أطلق برامج علمية جامعية رياضية متخصصة وآخرها خطوة افتتاح قسم لعلم الإدارة الرياضية في الجامعة سيبدأ التدريس به أول فصل الخريف المقبل. لمعرفة المزيد عن هذا الأمر توجهنا إلى مديرة الدائرة الرياضية في الجامعة الأنطونية زينة مينا وتحدثنا معها عن الخطوة هذه وأبرز ما تقوم به الجامعة من خطوات علمية لتطوير العلم الرياضي في لبنان.
بدأت مينا حديثها بأن الجامعة الأنطونية كانت تطلق سنة بعد سنة اختصاصات جديدة في العلوم الرياضية كافة أولها كنا اختصاص أساتذة رياضة للمدارس وأصبح هناك طلب على عدة اختصاصات أخرى ومع تطور الرياضة بشكل عام عالميا كان لا بد أن نواكب التطور الحاصل وبالتالي افتتحنا أقسام جديدة.
منذ 3 سنين أطلقنا Master في الإدارة الرياضية لكن كان كشكل بحث أكثر وبالتالي يذهب نحو الدكتوراه وبالتالي لم يكن يلبي حاجة السوق بشكل واقعي في لبنان لأن العمل على الأرض مختلف تماما عن الشق النظري في ظل أن الرياضة في لبنان ما زالت هواية وليس احتراف. لذلك أطلقنا فكرة مختلفة وهي MBA يكون متخرجوها قادرون أكثر على دخول عالم الرياضة بشكل عملي من ناحية التسويق وإيجاد متمولين وموارد مالية متنوعة كما في تنظيم الأحداث الرياضية.
هذا ال MBA هو برنامج فرنسي وقمنا باتفاقية مع منظميه لتدريسه في الجامعة لمدة 18 شهرا ويمكن لأي شخص لديه بكالوريوس في أي اختصاص أن يتسجل به. سيبدأ التدريس به الخريف المقبل بمعدل course كل شهر يعطيه أخصائي محدد في الموضوع الذي يدرس سيأتي من فرنسا وهم سيكونوا على مستوى عالي للغاية ونحن بدأنا منذ الآن نتلقى طلبات التسجيل وهناك أشخاص مهمين في القطاع الرياضي وأصحاب مناصب أبدوا رغبتهم في التسجيل في هذا الإختصاص وهو أمر يسعدنا كثيرا ويعكس رغبة المسؤولين الرياضيين في الإتحادات والأندية على تطوير أنفسهم وتطوير الرياضة اللبنانية على أسس علمية. وأشارت مينا إلى أن الإتحادات الرياضية أبدت رغبتها في التعاون الكامل مع هذا البرنامج، خاصة رئيس إتحاد كرة القدم السيد هاشم حيدر ورئيس إتحاد كرة السلة السيد بيار كاخيا اللذين حضرا المؤتمر الأخير وتحدثا عن خطة وضعاها لتحديث العمل الرياضي في اللعبتين المذكورتين ونحن بالطبع نضع أنفسنا في تصرف كل الإتحادات الرياضية وسنعقد العديد من الإتفاقيات معهم كي نتبادل الخبرات وهذا سيحقق نقلة نوعية في مجال إدارة الإتحادات الرياضية وتنظيم المسابقات على أسس علمية وبقوانين حديثة. ورأت مينا بأنه يجب سن قوانين رياضية جديدة تنقلنا من عالم الهواية إلى عالم الإحتراف كما يجب وضع خطة من وزارة الشباب والرياضة تكون طويلة الأمد كي لا تتأثر برحيل أي وزير ومجيئ وزير آخر متمنية أن يكون عمر الوزارة الحالية طويلا خاصة أن الوزير الحالي محمد فنيش حضر المؤتمر الذي نظمناه منذ فترة وكان مسرورا بالفكرة ونحن نأمل أن نتعاون معه في المستقبل لما فيه خير الرياضة اللبنانية.
وعن وجود فرص عمل لخريجي الجامعة من الأقسام الرياضية، أكدت مينا أن الخريجين يحصلون على وظائف بشكل سريع سواء في مجال التعليم الرياضي أو اللياقة البدنية ومعظم مدربي اللياقة البدنية في الأندية اللبنانية هم من خريجي جامعتنا ويقومون بعمل مميز في هذا المجال كما أننا أعطينا الفرص لبعض المتخرجين كروان بشروش التي استلمت منصبا هنا في الجامعة دون أن ننسى وجود خريجين لنا يديرون مثلا نادي اللويزة وهناك قسم آخر توظف في الإتحادات الرياضية وبالتالي لا خوف عليهم فالقطاع الرياضي يحتاج إلى كثير من العمل وخريجونا جاهزون دائما. واعتبرت مينا أن خطوة الالف ميل تبدأ بميل ونحن هدفنا أن نقوم بنقلة نوعية في مجال الإدارة الرياضية ونأمل أن نلقى دعما من جميع المكونات الرياضية في لبنان كي نستطيع أن نصل إلى هدفنا في نهاية المشوار.
حسان رستم :تطبيق الإحتراف حاليا في لبنان أمر صعب للغاية
تعتبر اللجنة الأولمبية أحد أهم الجهات المشرفة على العمل الرياضي في لبنان ودورها هام جدا في تنظيم العمل الرياضي وتطويره من أجل الإرتقاء به وتحقيق أفضل النتائج. من هنا كان توجهنا لأمين عام اللجنة الاولمبية حسان رستم الذي أكد بأن خطوة الجامعة الانطونية هي خطوة ممتازة لأننا بأمس الحاجة اليوم في الرياضة اللبنانية إلى مزيد من الإداريين المختصين وهذا لن يحصل إلا إذا ما أقرت جامعاتنا برامج رياضية خاصة لمن يرغب في دخول معترك العمل الرياضي وهو ما يحصل حاليا. واعتبر رستم بأن الرياضة اللبنانية مبنية على أسس علمية متينة ومن يديرون الرياضة حاليا هم أشخاص متعلمون ولهم باع طويل في الرياضة لكننا دائما نحتاج إلى أشخاص إضافيين في ظل سعينا إلى توسيع نشاطاتنا الرياضية ودعم كافة الإتحادات ما يعني أننا بحاجة لموارد بشرية إضافية يفضل دائما أن تكون متعلمة وتفهم العمل الرياضي على أصوله.
رستم اشار إلى أن تطبيق الإحتراف حاليا في لبنان أمر صعب للغاية وهو يحتاج إلى شروط خاصة أهم من موضوع الخبرات العلمية والكادرات الإدارية الرياضية فأنت تحتاج إلى موارد مالية ورعاة وهذا أمر صعب حاليا. هناك بعض الألعاب الجماعية ككرة السلة، كرة القدم وكرة الطائرة لديها تمويل خاص لأنها منقولة إعلاميا أما باقي الرياضات فتمويلها محصور بمساعدات قليلة من الدولة وبالتالي قبل أن نؤمن موارد مالية دائمة للرياضة لا يمكننا فرض أية شروط على نوعية مسؤولي الإدارة في الرياضة اللبنانية.
وقال رستم بأنه يعول على تغير نظرة الأهل تجاه الرياضة حيث بات الاهل يقدرون الرياضة ويدعمون أولادهم اللاعبين للوصول لأبعد مكان في المنافسات الرياضية. هذا سيجعلهم أيضا يشجعون اولادهم على دخول معترك دراسة الإختصاصات الرياضية ومعرفة أنه يمكن لهم بناء مستقبل هام عبر التخصص في أي اختصاص رياضي جامعي. كما أشار رستم إلى أن الرياضة اليوم أصبحت صناعة وهدفنا اليوم هو صناعة ميدالية رياضية وصناعتها ستكون عبر أسس علمية سنحاول وضعها كي نصل إلى أولمبياد طوكيو 2020 ونحقق ميدالية أولمبية طال انتظارها ونحن بالتالي نعول على كل الخبرات العلمية الموجودة من أجل أن نصل إلى هذه الميدالية المنشودة.
المحامي شربل رزق : الثقافة الرياضية هامة للغاية
تعتبر لعبة كرة السلة اللبنانية من أكثر الالعاب المهيئة لدخول عالم الإحتراف وأكثرها تحقيقا للنتائج ومتابعة جماهيرية. من هذا المنطلق، كان لنا حديث مع الامين العام لاتحاد كرة السلة المحامي شربل رزق حيث تحدثنا معه عن دور العلم في تطوير الرياضة وتطوير كرة السلة بشكل خاص ومدى التأثير الإيجابي لوجود أشخاص حملة شهادات رياضية على الرياضة بشكل عام وكرة السلة بشكل خاص. يرى رزق بأن الرياضة تطورت بشكل عام وأثبتت أنها إن لم تكن قائمة على اسس علمية فهي لن تذهب بعيدا ولن تحقق أي إنجازات. وأي لعبة لا تكون قائمة على تخطيط إداري سليم سواء كاتحادات أو أندية ومؤسسات رياضية لن تحقق أهدافها ولن تستطيع الإستمرارية. فالثقافة الرياضية هامة للغاية في وضع خطط متوسطة الأمد واستقدام المدربين الاكفاء وإيجاد كريقة لتحقيق إيرادات مالية وبالتالي الرياضة أصبحت علما اليوم بحد ذاته. منذ عشرين سنة، كانت النظرة مختلفة، الرياضة مجرد هواية لكن اليوم لم تبق كذلك كما تغيرت النظرة لدى الأهل تجاهها فمن قبل كان الأهل ينظرون لولدهم الذي يحب الرياضة بانه يركض خلف قطعة من الجلد أما اليوم فالأهل أصبحوا يوجهون أولادهم نحو الرياضة لأنهم أدركوا بأن الشاب الذي يمارس الرياضة يعيش حياة صحية أفضل من غيره بكثير. وإذا ما نظرنا إلى الدول المتحضرة في أوروبا وأميركا، نرى بأنه عندما تم رفع الموازنة المخصصة للرياضة، انخفضت موازنة القطاع الصحي خمس مرات. أعتقد أنه مع مرور عشر سنوات إضافية ستكون العالم قد ملت من السياسة ومن المشاكل اليومية وستصبح الرياضة منفذها الوحيد.ورأى شربل أن اختصاص الإدارة الرياضية هو اختصاص هام للغاية وهو سيسعى كي يتسجل ويدرس هذا الإختصاص فنحن اليوم كمسؤولين رياضيين ندير الرياضة بناء على خبرتنا كلاعبين سابقين لكننا أحيانا نحتاج إلى أشخاص ذو خبرة وهو ما نقوم به عبر الإستعانة بخبراء من الخارج وبالتالي وجود هكذا اختصاص سيخرج أناسا محليين مختصين وسيكونوا عامل مساعدة لنا دون أدنى شك.
شربل قال بأن الإحتراف هو الهدف الأهم وهي الطريقة الوحيدة القادرة على تطوير الرياضة وابعادها عن المصالح والزواريب السياسية الضيقة لكن الأمر يحتاج إلى عمل كبير وليس فقط ادخال العلم إلى الرياضة فالأهم هو تغيير التشريعات الرياضية عبر الوزارة وهو أمر صعب حاليا ويحتاج إلى وقت كي يتطبق والأهم هو أن تغير العقلية قبل أن تغير القوانين فمتى غيرت عقلية الهواية عند من يعمل في الرياضة، يصبح سن القوانين بعدها أمرا سهلا ويكون التطبيق بشكل أسرع.
شربل أكد أن كرة السلة اللبنانية هي اللعبة الأقرب فعليا للاحتراف ولكي تكون مبنية وفق أسس رياضية علمية بحتة لكنها ما تزال تحتاج منا إلى خطوات جريئة أكثر وهو ما سيتحقق عاجلا أما آجلا. هناك موضوع أود الإشارة إليه وهو أن تركيزنا ينصب كليا على الدوري المحلي وهذا أمر لن يساعدنا كثيرا فيجب التركيز على المنتخبات الوطنية كي نحسن من تصنيفنا الدولي عندها نظرة الإتحاد الدوري لنا تتغير ويرى بأننا نحقق تقدما فيساعدنا أكثر خاصة في الأمور التطويرية واللوجيستية المهمة للعبة وبمؤتمرات وإلى ما هنالك وهو ما نود نحن كاتحاد القيام به في المستقبل. كما لفت رزق بأن الإتحاد سيحاول الإستفادة من النقلة النوعية الكبيرة التي قام بها الإتحاد الأسيوي للعبة واتحاد غرب آسيا عبر هاغوب خاتشريان مع وجود مكاتب للاتحاد الاسيوي في بيروت من أجل إقامة مؤتمرات وورشات عمل كي نحسن من أداءنا الإداري وأنظمتنا الداخلية وهذا كله سيكون بالطبع وفق أسس علمية رياضية بحتة.
لا تبدو الرياضة اللبنانية بعيدة كثيرا عن العلم وهي بلا شك تمتلك الكثير من العناصر المثقفة والمتعلمة مع توقعات بأن يدخل المجال الرياضي في الفترة المقبلة المزيد من الأشخاص المختصين علميا والمثقفين رياضيا ما سينعكس إيجابا على الرياضة اللبنانية الساعية لتحقيق نهضة تغير من واقعها وتحسن من موقع لبنان على الخريطة الرياضية العالمية.