يعتبر موضوع التحكيم الرياضي في لبنان من أبرز المواضيع المطروحة حاليا على الساحة الرياضية اللبنانية خاصة مع بدء الولاية الجديدة للجنة الأولمبية اللبنانية والعهد الجديد في الحكم مع وزير رياضة جديد أيضا. وأعادت اللجنة الأولمبية في زيارتها الأخيرة لوزير الشباب والرياضة طرح هذا الموضوع حيث جعلته من أولوياتها حيث قدمت تصورا خاصة لإنشاء هيئة تحكيم رياضية تفصل في النزاعات بين الاطراف الرياضية المتخاصمة من اتحادات وأندية وحكام ولاعبين وجماهير.
هذا التصور الذي لقي دعما من وزارة الشباب والرياضة التي وعدت بدراسته تمهيدا لإقرار القوانين اللازمة كي يبصر النور.
ويبدو حرص اللجنة الأولمبية على موضوع التحكيم الرياضي نابعا من خوفها على لجوء أطراف رياضية للقضاء المدني كما حصل منذ فترة في كرة السلة ما يرتب انعكاسات سلبية كون الشرعة الأولمبية تحظر اللجوء للقضاء المدني في حل النزاعات الرياضية مع السعي الجاد لمنع التدخّلات الخارجية بالعمل الرياضي وفق ما تنصّ عليه الشرعة الأولمبية. خاصة أن اللجنة الأولمبية الدولية تفرض تشكيل هيئات تحكيمية من دون اللجوء الى القضاء المدني، وهذا معتمد في معظم دول العالم.
وكان عام 2013 شهد إطلاق رئيس الإتحاد اللبناني لكرة القدم هاشم حيدر مركز التحكيم الرياضي الخاص بلعبة كرة القدم للبت بكافة النزاعات التي تحصل في اللعبة ووصفت آنذاك هذه الخطوة بغير المسبوقة وذكر حيدر آنذاك أنه في حال قررت الدولة اللبنانية إنشاء مركز تحكيمي رياضي مستقبل يشمل كل الألعاب فإنه لا مبرر لبقاء هذا المركز. هذه الخطوة كانت أولى الخطوات المتخذة في هذا السبيل.
وقدمت اللجنة الأولمبية اللبنانية عبر دراسة أعدها السيد طوني خوري تصورا حول شكل هيئة التحكيم الرياضية وصلاحياتها حيث أن الشرعة الأولمبية وأنظمة الاتحادات الدولية قد اعتمدت التحكيم لحل الخلافات وهي الوسيلة الوحيدة للاتحادات الوطنية والجمعيات والهيئات واللجان الأولمبية الوطنية لاعتمادها ضمن أنظمتها الداخلية وقوانين وأنظمة الهيئات الرسمية الرياضية وكافة المؤسسات الرياضية. وينص التصور الجديد الذي قدمته اللجنة الأولمبية فيما خص هيئة التحكيم الرياضية على يتكون المجلس الوطني للتحكيم الرياضي (CNAS) من اثني عشر عضواً رجال ذوي خبرة في الرياضة والقانون يتم تعيينهم على النحو التالي :
أربعة اعضاء يتم تسميتهم من قبل اللجنة الأولمبية اللبنانية .
أربعة اعضاء يتم اختيارهم من قبل الاتحادات الوطنية المدرجة على لائحة الألعاب الأولمبية .
أربعة اعضاء يتم تسميتهم من قبل الأعضاء الثمانية ويتم اختيارهم من بين الشخصيات المستقلة أو من المؤسسات الرسمية أصحاب الخبرة والاختصاص في الأنظمة الادارية والرياضية والقانونية والقوانين المعتمدة دولياً .
يتم تعيين اعضاء المجلس الوطني للتحكيم الرياضي (CNAS) لفترة واحدة او لعدة فترات من أربع سنوات.
أما مهمة هذه الهيئة هي الخلافات التي تحصل في مجال الرياضة وفقاً للقوانين الإجرائية من هذا النظام . كما تبت عن طريق الإجراء التحكيمي الاستئنافي ، في الخلافات المتعلقة بقرارات الاتحادات، الجمعيات أو الهيئات الرياضية الأخرى واللاعبين واللجنة الأولمبية الوطنية عملاً بالأنظمة الداخلية أو قوانين الهيئات الشرعية الأولمبية وأنظمة الاتحادات الدولية.
اللجنة الأولمبية كلفت نائب الرئيس هاشم حيدر متابعة ملف النظام الداخلي لهيئة التحكيم الرياضية لرفع مشروع متكامل من كافة الجوانب.
رئيس اتحاد الدراجات الهوائية فاتشيه زادوريان
ولمعرفة دوافع اللجنة الأولمبية في السعي لإقرار قانون التحكيم الرياضي، التقينا عضو اللجنة الأولمبية ورئيس اتحاد الدراجات الهوائية فاتشيه زادوريان الذي أكد بأن الدافع الأساسي للعمل الذي تقوم به اللجنة الأولمبية هو تجنب الذهاب إلى المحاكم المدنية في أي خلاف يحصل بين أي نادي واتحاد رياضي معين لما يرتبه من عواقب وخيمة على الرياضة اللبنانية، لذلك كان لا بد من محاولة إنشاء هيئة تحكيم رياضية وهو ما نقوم به على الرغم من أن بعض الإتحادات تحديدا لعبتا كرة القدم وكرة السلة لدى كل لعبة مجلس تحكيمي خاص بتسميات مختلفة وهذا أمر جيد وإيجابي. واعتبر زادوريان أن المنطق يقول بأن القضايا الرياضية يجب أن تحكم بها محكمة رياضية مطلعة على كافة شؤون القضية المطروحة بشكل مستقل وفق نظام خاص بها. حاليا هناك البعض يلجأ للفيبا مثلا أو يقدم ملفا إلى الفيفا أو محكمة ال CAT في سويسرا وهو أمر قد ينتهي إن تم إنشاء هذه الهيئة الموعودين بها. وشدد زادوريان على أهمية أن تقر القوانين اللازمة لهذه الهيئة بأسرع وقت ممكن عبر سن مشاريع في مجلس النواب اللبناني كم يجب سن قانون يجبر كافة الرياضيين بمختلف انتماءاتهم على اللجوء لهذه المحكمة المزمع إنشاؤها حصرا لحل النزاعات أسوة بكل الدول المتحضرة والتي لديها هيئات رياضية مستقلة تفصل في كل الخلافات.
كما أن هناك نقطة أخرى وهي أنه عادة في أي خلاف يحصل وهو ما رأيناه في أكثر من اتحاد سابقا، يتم اللجوء للقضاء المدني فيقوم الإتحاد المعني بمراسلة الإتحاد الدولي للعبته فيعتبر تدخل المحاكم المدنية تدخلا من قبل الدولة فيرفض الحكم وقد يضع عقوبات على هذه اللعبة ما يعني إرجاعها كثيرا إلى الوراء وما حصل في كرة السلة منذ فترة ليست بالبعيدة أكبر برهان على ذلك. وختم زادوريان حديثه بأن اللجنة الاولمبية في زيارتها الاخيرة لوزير الشباب والرياضة محمد فنيش لمست حرصا كبيرا من قبل الوزير على السير بهذا المشروع وأستطيع أن أؤكد بأننا كلجنة أولمبية لبنانية نسير على نفس الخط مع وزارة الشباب والرياضة ليس فقط في موضوع هيئة التحكيم الرياضية بل بكثير من القضايا التي تساعد على تطوير الرياضة اللبنانية.
رئيس مصلحة الشباب والرياضة في وزارة الشباب والرياضة محمد عويدات
تنظم وزارة الشباب والرياضة العمل الرياضي في لبنان وبالتالي لا بد من أن يكون دورها محوريا في هذا الموضوع وهي ستكون الجهة المخولة الوحيد بإصدار التشريعات والقوانين اللازمة وتقديمها إلى مجلس الوزراء من أجل البت بها وتحويلها لمجلس النواب الذي سيشرع الهيئة وفق رؤية الوزارة ويضع أطرها التنظيمية ويحدد عدد أعضاءها وصلاحياتها وطبعا وفقا للدراسة المقدمة من اللجنة الأولمبية اللبنانية. وبناء على ذلك، كان لا بد من التوجه إلى رئيس مصلحة الشباب والرياضة في وزارة الشباب والرياضة محمد عويدات الذي أكد بأن السعي إلى إنشاء هيئة للتحكيم الرياضي في لبنان هو خطوة مهمة للغاية حيث يصبح لدينا جهة مختصة بفض النزاعات بين الإتحادات الرياضية واللاعبين والهيئات الرياضية والأندية ضمن إطار معين ما يساعد في بت هذه الخلافات في أسرع وقت ممكن. ورأى عويدات بأن الأمر يحتاج إلى تشريعات خاصة وهي أمور روتينية قد تأخذ بعض الوقت بحسب عمل الهيئات داخل الوزارة وتوفر الظروف لإقرار التشريعات من قبل الدولة. وقال عويدات بأن مشكلة القضاء اللبناني بشكل عام هي تأخره في بت الدعاوى وبالتالي القضايا الرياضية مثلها مثل أي قضايا أخرى تعاني من هذا التأخر في البت بالدعاوى القضائية وإصدار الأحكام وبالتالي من المؤكد عن وجود هيئة قضائية مختصة متفرغة فقط للقضايا الرياضية أن يتم البت بشكل أسرع وهذا من مصلحة الرياضة بكل تأكيد فكلما كان حل النزاع وإصدار حكم فيه بطريقة سريعة كلما كانت الأمور إيجابية للعبة التي يرتبط بها النزاع.
عويدات شدد على أن هيئة التحكيم الرياضية يجب أن تكون مقيدة بضوابط وتشريعات واضحة تحدد صلاحياتها كما يجب أن تضم اختصاصيين ومستشارين قانونيين على أن يكون للدولة اللبنانية ممثل في هذه الهيئة كونها الجهة التي تشرف على عملها. ورفض عويدات التعليق على موضوع التدخل في عمل القضاء وما يمكن أن ينعكس ايضا من تدخل على عمل هيئة التحكيم الرياضي المزمع إنشاؤها مشيرا إلى أنه عندما يتم وضع تشريع معين سيكون موضعا من قبل أصحاب الإختصاص ومرجعيات قضائية ستحدد بلا شك غايات إنشاء ههكذا هيئة كما أهدافها ووظيفتها إضافة للمهام التي من صلاحياتها القيام بها إضافة لتحديد المواضيع التي يمكن للهيئة البت بها وبالتالي سيتم وضع نطاق معين يحدد صلاحية هذه الهيئة ومتى ينتهي دورها أو يقف عملها وولايتها وكيفية تأليفها واختيار الأعضاء فيها. بالطبع سيكون لوزارة الشباب والرياضة ممثل في هذه الهيئة كما للجنة الأولمبية اللبنانية وهذا يعود كما ذكرت للمشرعين الذين سيضعون النظام الخاص بالهيئة والتي يجب أن تضم أشخاصا كفوؤين ومؤهلين للبت بالقضايا الرياضة مع خبرة في هذا المجال كما يجب أن تضم الهيئة قضاة أكفاء تعينهم الدولة لأنه في النهاية هذه الهيئة ستعتبر سلطة قضائية والحكم فيها سيكون بنفس نظام محاكم القضاء المدني.
امين عام اتحاد كرة السلة المحامي شربل رزق
تعتبر لعبة كرة السلة من أكثر الألعاب الفاعلةحاليا على صعيد الرياضة اللبنانية وهي عانت في السابق من الآثار السلبية لغياب هيئة رياضية قضائية مستقلة ودفعت الثمن إيقافا دوليا بعد لجوء بعض الأندية للقضاء المدني وما رتبه من انعكاسات سلبية على اللعبة. من هنا كان التوجه لأمين عام اتحاد كرة السلة المحامي شربل رزق الذي أكد بأن وضع كرة السلة اللبنانية من ناحية اللجوء للقضاء وضع استثنائي ومميز عن بقية الألعاب. فبناء لتوجيهات الإتحاد الدولي لكرة السلة وبعد الأزمة الأخيرة التي حصلت في اللعبة، وفي تعديلات أقرتها الجمعية العمومية، تم إنشاء لجنة الإعتراض والإستئناف التي تبت بكل النزاعات في لعبة كرة السلة حيث نص القرار على منع لجوء أي نادي إلى القضاء المدني تحت طائلة شطبه من الإتحاد خاصة في المواضيع ذات الطابع الإداري والفني حيث أصبحت الاندية ملزمة بالتوجه إلى لجنة الإعتراض والإستئناف من أجل أخذ حقوقها في أي نزاع.
اللجنة هذه بحسب شربل هي لجنة مؤقتة طالما أنه لا يوجد مجلس تحكيم رياضي لبناني وهي تُحل تلقائيا فور تشيكل هذا المجلس والذي أصبحت أموره على نار حامية جدا. وأيد شربل اللجوء إلى هكذا خطوة على صعيد التحكيم الرياضي مؤكدا أنها حاجة للرياضة اللبنانية ونقطة أساس في سبيل تطورها مبديا تفاؤله بإمكانية تشكيله بشكل سريع على الرغم من أنه يحتاج إلى وقت من اجل إصدار تشريعات جديدة لكن وزير الشباب والرياضة الجديد متحمس جدا لهذه الخطوة وهو في الفترة القصيرة التي تولى فيها الوزارة قام بعمل كبير بمساندة من معاونيه وهذا أمر ممتاز جدا يجعلني متفائلا بإمكانية أن يبصر مشروع التحكيم الرياضي النور قريبا بعد إنهاء الأمور اللوجستية والقوانين والتشريعات الخاصة به. كما أشار رزق إلى أنه يجب على هيئة التحكيم أن تكون حيادية وأن يكون الأشخاص العاملون بها مصدر ثقة للوسط الرياضي وهو أمر هو شخصيا متفائل أن يحصل من دون أي تدخلات في عمل الهيئة التي يجب أن تكون مستقلة ومن الافضل الإنتظار لتشكيل الهيئة ورؤية من هم أعضاءها لأنه لا يجوز الحكم المسبق عليها قبل أن تلد.
في الختام، لا شك بان إنشاء هيئة تحكيم رياضية بصلاحيات كاملة وبقوانين تضمن استقلاليتها وتجبر كافة المتخاصمين الرياضيين على اللجوء إليها حصرا لحل كافة الخلافات الرياضية دون أي تدخلات سياسية أو حتى خارجية سيشكل نقلة نوعية في الرياضة اللبنانية وسيكون حجر زاوية في تطور الرياضة اللبنانية لأنه كما لا يمكن تطوير بلد من دون وجود قضاء عادل، لا يمكن تطوير أي رياضة من دون وجود محكمة رياضية عادلة تعطي كل ذي حق حقه وتكون بمثابة العين الساهرة على حسن تطبيق القوانين الرياضية وحماية اللعبة وأهلها من أي مشاكل وهزات.
احمد علاء الدين