لم يعد تحقيق أي فريق للبطولات في عالم كرة القدم وليد صدفة أو نتيجة تخطيط عشوائي بل أصبح اليوم مرتبطا بسلة كاملة متكاملة من الخطوات التي تضمن بناء فريق قوي يؤمن النجاح والإستمرارية في اللعب على مستوى عالي وحصد أهم البطولات المحلية، القارية والعالمية.

ويعتقد الكثيرون من متابعي كرة القدم العالمية بأن الفرق العالمية القوية والتي تسيطر على كرة القدم العالمية يعود نجاحها وتربعها على عرش قمة أندية العالم إلى القوة المالية ونجوم الصف الأول الموجودة ضمن صفوف الفريق. لكن الأمر بالطبع يتعدى هذا الأمر، ويمكن تشبيهه ببناء منزل، فكلما كانت الأساسات متينة، كلما كان البناء أقوى ويرتكز على أرضية صلبة. هذه الأرضية تكون الضمانة الوحيدة للإستمرارية فليس المهم أن تحرز لقبا وتقدم موسما مميزا بل الأهم هو كيفية الحفاظ على هذا النجاح.

أولى عناصر بناء ​فريق كرة قدم​ قوي هي القوة المالية والقدرة على تأمين الميزانية الضخمة بشكل سنوي وليس فقط تأمين الأموال لسنة أو سنتين فقط، لأن هذا يجعل الناجح مؤقتا وهناك أكثر من فرق عالمي معروف وقع في هذه المشكلة. كما أن كل العناصر الباقية لا يمكن أن تتحقق دون وجود أموال لازمة مع استثمارات على أمد طويل كي يصبح تنفيذ كل الأمور الإدارية والفنية مضمونا ويصبح وضع الخطط الطويلة الأمد أمر ممكنا.

بعد تأمين المال اللازم، يأتي دور الإدارة الرياضة للفريق والتي يجب أن تكون من الوسط الرياضي وتملك فكرا كرويا لا بأس به من أجل معرفة اختيار المدير الفني المناسب كما في شراء اللاعبين والتصرف بشكل جيد في سوق الإنتقالات. من هنا نجد أن أغلب الفرق اليوم يكون في مجالسها التنفيذية لاعبون سابقون من الصف الأول، كما أن معظم المدراء الرياضيين اليوم هم أيضا لاعبون وذلك لأنه هناك حاجة ماسة لأن تكون إدارة الفريق على دراية بجو اللعبة لما ينعكس ذلك إيجابا على الفريق وعلى القدرة في شراء اللاعبين وإقناع النجوم بالإنضمام لصفوف الفريق.

بعد توفر المال والإدارة الحكيمة إن صح التعبير، يأتي دور تركيب جهاز فني كامل متكامل بداية من المدير الفني ومساعديه إضافة لمدربي حراس المرمى واللياقة البدنية ومسؤولي التجهيزات والأمور اللوجستية. ولا يمكن لأي فريق أن ينجح إن لم يكن يمتلك جهازا فنيا على مستوى عالي خاصة الرجل الأول فيه أي المدير الفني والذي يستطيع توظيف اللاعبين كما يجب وخلق نظام منضبط داخل الفريق مع انسجام واضح ينقل الإستقرار المالي والفكر الإداري المنظم ويعكسه إلى تدريبات الفريق والجو العام داخل التمارين وأثناء المباريات. وبالطبع سيكون للإدارة ذات التوجه الرياضي القدرة على اختيار المدرب المناسب والملائم للفريق.

بعد اختيار الجهاز الفني المناسب، يأتي الدور على اختيار اللاعبين والذين يجب أن يكونوا مزيجا من لاعبي الخبرة ولاعبي الشباب لإعطاء الفريق العمق الفني المطلوب مع الحيوية اللازمة. ومن المهم أن تلائم نوعية اللاعبين وطريقة تفكيرهم أسلوب الجهاز الفني وخاصة المدير الفني لأنه مر كثير من اللاعبين المميزين والذين لم يستطيعوا تقديم أفضل ما لديهم بسبب علاقتهم المتوترة مع الجهاز الفني وهذه نقطة مهمة وأساسها هي طريقة تفكير المدير الفني وعدم التدخل التام في أي من خياراته الفنية وفي طريقة اللعب والتشكيل النهائي بجانب لعب الإدارة لدور إستشاري فقط في تحديد متطلبات الفريق ولائحة اللاعبين المغادرين ولائحة اللاعبين المنوي التعاقد معهم لأنه في النهاية الجهاز الفني هو الذي سيدير الفريق وليس مدير الفريق أو رئيس النادي. ويجب التشديد هنا على نقطة مهمة وهي أنه كلما زاد الإستقرار الإداري والمادي بجانب العلاقة السليمة بين الجهتين الإدارية والفنية، و كان اللاعبون يحصلون على حقوقهم المادية كما يجب، سينعكس هذا بالطبع على أداء اللاعبين والذين سيشعرون براحة نفسية لتقديم أفضل ما لديهم على أرض الملعب.

ويبقى نقطة أخيرة يجب أن يتم الإضاءة عليها وهي مدرسة الفريق الكروية والإهتمام باللاعبين الناشئين الذين هم خزان النادي فلا نجاح لأي فريق لا يعتمد على بعض من اللاعبين الذين صنعهم وقد أثبتت التجارب بأن شراء فريق كامل لن يجلب البطولات إلا ما ندر وبأنه شواذ القاعدة وليس القاعدة بحد ذاتها. فكلما كان الفريق يذخر باللاعبين الناشئين القادرين على تمثيل الفريق الأول في المستقبل كلما كان استقرار الفريق الفني أكبر وكلما كانت القاعدة التي يرتكز عليها الفريق أقوى وذي استمرارية أطول دون أن ننسى الفائدة المالية لوجود فئات عمرية مميزة لأي فريق فالفريق لن يشتري عندها الكثير من النجوم ولن يضخ أموالا طائلة طالما أنه هناك لاعبون من النادي جاهزون وفي المقبل الآخر أيضا يكون النادي قادر على بيع بعض اللاعبين من أولاد النادي المتألقين وجني أموال طائلة منهم تساعده في الشق المالي وفي عملية جني أرباح كون أي فريق كروي اليوم، لم يعد هدفه فقط حصد الألقاب بل أيضا تحقيق أرباح مالية.

لم تعد الأمور في كرة القدم تدر بعشوائية ولم تعد اللعبة الشعبية الأولى في العالم مجرد لعبة، بل إنها أصبحت صناعة كروية والنجاح فيها لم يعد سهلا لكنه بالمقابل لم يعد صعبا، فخارطة الطريق واضحة والأسس معروفة ولا يبقى إلا التخطيط الصحيح ثم التنفيذ السليم.

" أحمد علاء الدين "