يعتبر الفوز بالألقاب والميداليات حلماً لجميع الرياضيين في مختلف الألعاب، لكنه بالنسبة لأولئك القادمين من بلدان متواضعة على صعيد الإنجازات العالمية هو أكثر من حلم،بل إنطلاقة نحو آفاق أوسع وسمعة أكبر لا يمكن مقارنتها بأي أمر آخر، فكيف إذا كان الإنجاز مضموناً وتُقرر في لحظة حاسمة التخلي عنه من أجل هدف أسمى.
ناصيف الياس رياضي برازيلي من أصل لبناني كان قاب قوسين أو أدنى من التتويج بالميدالية الذهبية لبطولة باريس الكبرى في الجودو، لكنه قرر فجأة تحويل حلمه إلى سراب بعدما أدرك انه سيواجه لاعبا اسرائيليا، فلم يأبه لما قد يحققه من خلال التتويج بالبطولة، فاختار تتويجاً من نوع آخر ألا وهو التربع على قلوب اللبنانيين من خلال تعمده الخسارة أمام خصمه من منغوليا حتى لا يتأهل ويواجه عدواً لا يمكن لأي جنسية أخرى ان تنسيه أفعاله مع وطنه الأم.
لم يرد ناصيف الياس الفوز على خصمه المونغولي ومن ثم الانسحاب من مواجهة لاعب اسرائيلي حتى لا يتعرض للإيقاف من جانب الاتحاد الدولي للعبة، ففضل تفادي هذه الورطة وتعمد الخسارة في موقف مشرف سيبقى محفوراً في ذاكرة التاريخ.
ناصيف الياس الذي قال: "أنا غاضب لأنه كانت لدي فرصة كبيرة لاحراز الميدالية الذهبية للبنان في هذه المنافسة وتحقيق نقاط للألعاب الاولمبية، ولكنني أحترم التاريخ والموقف اللبناني، وأحب الشعب اللبناني"، أثبت مرة أخرى أنه من طينة الرياضيين الشرفاء الذين قرروا اختيار جنسية أخرى بعدما شعر ان جنسيته الأم لم تقدم له الرعاية والإهتمام لكي يصبح بطلاً عالمياً، ولم يجد في لبنان من يحتضن موهبته وتحقيق حلمه، إلا أنه ومع ذلك أبى في لحظة وطنيه مشرفة أن ينسى وطناً عانى الويلات من جراء الإحتلال الإسرائيلي وضحى بالذهب من أجل الفوز بما هو أعظم وأكبر.
يستحق ناصيف كل الحب والإحترام من كافة أطياف الشعب اللبناني، لكن قبل ذلك فإن نجم الجودو العالمي يستحق التكريم على ما فعله في باريس واستقبالاً رسمياً على أعلى المستويات كمكافأة مستحقة على موقفه الوطني والنبيل في واحدة من أهم بطولات الجودو على مستوى العالم، رغم تكريمه سابقاً من قبل لبنان.
ما فعله ناصيف الياس سيكرره جميع الرياضيين اللبنانيين اذا ما وضعوا في مثل هذا الموقف، لكنها مناسبة للقول ان الرياضة قادرة في كل زمان ومكان على ان تقدم موقفاً وطنياً مشرفاً يحفظ كرامة الوطن وأهله بغض النظر عن الأحلام والأهداف والإنجازات.