صحيحٌ أنه لم يسبق لإنكلترا الفوز بلقب ​كأس أوروبا​ وأنها وصلت في النسخة الماضية إلى النهائي لأوّل مرة في تاريخها ولم تفز بأي لقب كبير باستثناء كأس العالم 1966 التي أقيمت على أرضها، إلا أن توقعات جماهيرها دائماً ما تكون كبيرة جداً في أي بطولة، فكيف الحال إذا كانت ترى لاعبي الجيل الحالي بين الأفضل في تاريخ "الأسود الثلاثة".

لم يقدّم الإنكليز الكثير الذي يشفع لهم في كأس أوروبا الحالية المقامة في ​ألمانيا​، لكنهم بلغوا رغم ذلك نصف النهائي.

تخطوا ​سلوفاكيا​ 2-1 في ثمن النهائي في لقاء تخلفوا خلاله حتى الدقيقة الأخيرة من الوقت الأصلي قبل أن ينقذهم جود بيلينغهام بتسديدته الأكروباتية الخلفية، ثم كانوا قاب قوسين أو أدنى من الخروج على يد ​سويسرا​ في ربع النهائي قبل أن يسجل بوكايو ساكا التعادل في الدقيقة 80 ويفرض التمديد ومن بعده ركلات الترجيح.

ومنذ دور المجموعات الذي حققت فيه انتصاراً يتيماً مقابل تعادلين، واجه مدرب إنكلترا ​غاريث ساوثغايت​ الكثير من الانتقادات التي رأت أنه لا يستغل بالشكل اللازم تشكيلة النجوم التي يملكها،

ووصل الأمر بالجمهور الإنكليزي الذي ما زال ينتظر ما يعتبره عودة كرة القدم "إلى موطنها" ويتغنّى بهذا الشعار في كل بطولة من دون أن يتحقق له ذلك، إلى رشق ساوثغايت بأكواب الجعة بعد التعادل السلبي في الجولة الأخيرة من دور المجموعات مع سلوفينيا.

وبينما احتفل لاعبو وجماهير سلوفينيا بشكل صاخب في الطرف الآخر من الملعب بعد تأهلهم التاريخي إلى ثمن النهائي للمرة الأولى، قوبل ساوثغايت ولاعبوه بصيحات استهجان عندما توجهوا نحو جماهير إنكلترا.

واستُهدِف ساوثغايت بأكواب الجعة التي أخطأته لكنها تركت انطباعاً واضحاً على نفسيته خصوصا أنها جاءت بعد أيام عدة من الانتقادات من طرف لاعبين إنكليز سابقين عقب التعادل المخيب أمام ​الدنمارك​ 1-1 في الجولة الثانية.

وقال ساوثغايت، مناشداً جماهير إنكلترا لخلق أجواء إيجابية حول المنتخب: "لم أر أي منتخب آخر يتأهل ويتلقى ردّ فعل مماثل. أنا فخور جداً باللاعبين على الطريقة التي يتعاملون بها مع الأمور".

- "هذه ليست مباريات عادية" -

وأضاف: "حافظ اللاعبون على رباطة جأشهم في المباراة عندما دخلوا إليها في أجواء مليئة بالتحديات حقاً. لقد أعادني ذلك إلى الأيام التي كنت ألعب فيها مع منتخب إنكلترا".

وتابع: "أنا سعيد جداً بوجودي هنا، لن ننجح إلا إذا كنا معاً ومتحدين، وظيفتي هي توجيه الفريق خلال هذا الأمر لتحقيق أقصى استفادة ذلك والبقاء على المسار الصحيح".

وزعم ساوثغايت أن النجاح النسبي الذي حققته إنكلترا خلال فترة ولايته المستمرة منذ ثمانية أعوام والتي تضمنت حصولها على المركز الثاني في كأس أوروبا الاخيرة والخروج من نصف نهائي مونديال 2018، خلق توقعات بأن منتخب بلاده يخيب الآمال في الوقت الحالي.

ولا يبدو أن هذه الانتقادات أعطت ثمارها وغيّرت واقع الأمور في المنتخب الذي اكتفى بالتسديد على المرمى خمس مرات في 240 دقيقة خاضها في مباراتيه ضد سلوفاكيا وسويسرا في ثمن وربع النهائي.

ووصف مهاجم إنكلترا السابق ألن شيرر الفريق بأنه "معفن" بعد المباراة ضد سلوفاكيا.

وفي رده على صحافي ألمانيا اعتبر أنه "ليس من الممتع مشاهدة إنكلترا تلعب" بعد الفوز على سويسرا، قال ساوثغايت "أنا آسف لذلك، لكن نيتنا دائماً لعب ​كرة قدم​ جيدة. في كرة القدم هناك خصم يحاول إيقافك. هذه ليست مباريات كرة قدم عادية، إنها أحداث وطنية وفيها الكثير من الضغط...".

وتابع: "تعرّض فريقنا لضغوط هائلة منذ البداية. إنهم يقومون بعمل جيد جداً".

وتذرّع ساوثغايت بأن خصوم إنكلترا يلعبون باسلوب دفاعي وحتى أنه وجه اللوم للعشب في الملاعب الألمانية "لكننا رغم ذلك في نصف النهائي للمرة الثالثة في آخر أربع بطولات".

وبعد الوصول إلى نصف نهائي كأس العالم 2018 والخسارة في نهائي كأس أوروبا صيف 2021 بركلات الترجيح أمام ​إيطاليا​، بدأت إنكلترا هذه البطولة من بين أبرز المنتخبات المرشحة للقب إلى جانب ​فرنسا​ التي وصلت أيضاً إلى نصف النهائي من دون تقنع وبأسلوب لعب ممل على غرار "الأسود الثلاثة".

- الاختبار الهولندي -

والآن يدرك ساوثغايت أنه يلعب من أجل "حياته" واستمراره في المنصب حين يتواجه رجاله مع منتخب هولندي مثير الذي سجل في مبارياته الخمس قرابة ضعف الأهداف التي سجلها الإنكليز على رغم أن الأخير لعب 60 دقيقة أكثر منه.

وفي ظل وجود كودي خاكبو وفاوت فيغهورست، يمتلك فريق رونالد كومان مجموعة متنوعة من الأسلحة المختلفة التي يمكن أن تتسبب بفوضى دفاعية لإنكلترا مع الكثير من اللعب المفتوح الذي قد يمنح رجال ساوثغايت فرصة اللاعب بأريحية هجومية إلى حد ما.

ومن أبرز النقاط التي يأخذها الجمهور على ساوثغايت أنه يحجم عن إجراء تغييرات، ما جعل كول بالمر، أحد افضل لاعبي الموسم في الدوري الإنكليزي، يكتفي بالجلوس على مقاعد البدلاء من دون أن يلعب أي مباراة كأساسي حتى الآن.

وعلى الرغم من دوره الحاسم، بدا بيلينغهام منهكاً بعد الموسم الرائع الطويل مع ريال مدريد الإسباني، فيما ظهر فيل فودين كشبح للاعب الذي تألق مع مانشستر سيتي.

هناك مخاوف من أنه كما حدث في نصف نهائي كأس العالم 2018 ضد كرواتيا (1-2 بعد التمديد)، قد تفقد إنكلترا السيطرة على المباراة أمام منافس أفضل منها إذا لم يكن ساوثغايت استباقياً ما قد يجعله عرضة لأكثر من الرمي بأكواب الجعة.