الأميركيتان ​ميلدريد ديدريكسون​ و​هيلين ماديسون​ وجهان أنثويان ميّزا دورة لوس أنجلوس عام 1932، الأولى في ​ألعاب القوى​ والثانية في ​السباحة​.

واعتبرت ديدريكسون، وتنادى تحبّبًا "بايب"، أفضل بطلات الميدان والمضمار. أما ماديسون، "حبيبة" الجمهور الأميركي، فبدا من الصعب أن ينال أحد منها.

"بايب" صبية في سن التاسعة عشرة قادمة من تكساس، تميّزت بقوامها الممشوق وساقيها الطويلتين، أحرزت لقب سباق 80 م حواجز وسجّلت رقمًا عالميًا مقداره 11.7 ثانية.

نافست الألمانيتين ​إيلين براومولر​ و​تيلي فلايشر​ في رمي الرمح، وتفوّقت عليهما في المحاولة الأخيرة برمية عالمية مقدارها 43.68 م. وتجاوزت ارتفاع 1.65 م في الوثب العالي لكنها اكتفت بالمركز الثاني خلف مواطنتها جين شيلي.

كانت أمنية "بايب" وهدفها الأسمى أن تكون أعظم رياضية. وعلى رغم ايقافها لاحقًا من قبل الاتحاد الأميركي لألعاب القوى بـ"تهمة" استخدام اسمها في إعلان للسيارات، إلا انها احترفت الرياضة وبرعت خصوصًا في المباريات الاستعراضية في البيسبول (انضمّت إلى فريق بروكلين دودجزر) وكرة السلة وكرة المضرب. وتفوّقت في الغولف فحصدت ألقابًا عدة، وأسّست رابطة اللاعبات المحترفات.

وكانت "بايب" تزوّجت عام 1938 من المصارع اليوناني الأصل جورج زاهاريس. ولم تقف إصابتها بالسرطان حجر عثرة أمام طموحاتها، إلى أن قضت نحبها سنة 1956 عن 48 عامًا.

لما سُئلت "بايب" يوما عن رياضتها المفضلة، استغربت السؤال لانها تتقن تقريبًا كل الاختصاصات. كانت مميزة في ألعاب القوى والملاكمة والجمباز والتنس، وتستطيع تسجيل 100 نقطة في مباراة لكرة السلة. وتمكنها لياقتها من الانخراط في حصة تدريب مع فريق للرجال لكرة القدم الاميركية.

تتقن البلياردو وتتميّز قاريًا في مبارياتها، تبرع في السباحة والفروسية، وتصوّب بدقة في البولينغ، ولم تترك سباقات الانحدار في التزلج على الثلج تعتب عليها.

وُلدت "بايب" في 26 حزيران/يونيو 1911 في بورت آرثر (تكساس)، وكانت السادسة في عائلة أنجبت سبعة أولاد. والدها البحّار وجد في مزاولة التدريب البدني والحركات السويدية أولوية يومية. وفي صغرها لم تتسل "بايب" في العرائس بل في رفع الاثقال، بدءاً من حملها المكواة مرات عدة تباعًا، ما نمى عضلاتها.

وساهمت شهرتها الرياضية في حصولها على وظيفة سكرتيرة في شركة تأمين في دالاس، وذلك في مقابل الدفاع عن ألوان فريق كرة السلة (دالاس سيكلون) التابع للشركة، فأمنت له الفوز في 3 مباريات.

وتقدّمت "بيبي" بمفردها للمنافسة في بطولة الفرق لألعاب القوى التي اجريت في ايفنستون (ايلينوي) المؤهلة نتائجها للاولمبياد. فشاركت في 8 مسابقات وفازت في 6 منها. فقد حصدت المركز الاول في الـ80 م حواجز، ورمي الرمح، ودفع الجلة، والوثب الطويل، وفي تسديد كرة البيسبول (كانت تتخطى رميتها الـ100م)، وتساوت مع شيلي نفسها في الوثب العالي.

وعند جمع نقاط الفرق، كانت حصة "بيبي" بمفردها 30 نقطة، أي افضل بـ8 نقاط من فريق جامعة ايلينوي الذي حل ثانيًا ويضم 22 متبارية.

وقتذاك كانت قوانين الألعاب الأولمبية لا تسمح للسيدات بخوض اكثر من ثلاث مسابقات، علمًا ان بايب تأهلت في خمس وبالتالي كانت قادرة على حصد ميداليات اخرى.

قتلت "بايب" مسابقة رمي الرمح إثر سيطرتها من المحاولة الأولى، وفي الـ80 م حواجز عادلت رقمها العالمي في نصف النهائي (11.8 ث) ثم عززته في النهائي (11.7 ث). وفي الوثب العالي سجلت رقمًا عالميًا ايضًا، وبعد تعادلها مع مواطنتها شيلي (1.65 م)، وضع الحكام العارضة على ارتفاع 1.67 م فتجاوزتها. لكنهم اعتبروا ان اسلوب "بايب" في القفز مخالف للقواعد المعتمدة، إذ إن رأسها تخطى العارضة قبل جسدها، فمنحوا المركز الاول لشيلي. ترى الم يلاحظوا ذلك في محاولاتها الأخرى وعلى ارتفاعات ادنى؟

- "إنذار" مفيد -

قبل دورة لوس انجلوس، حطّمت السباحة ماديسون 16 رقمًا على المسافات من الـ100 ياردة الى الميل، وذلك خلال 16 شهرًا ونصف الشهر (1930 - 1931). لكنها دخلت المنافسة الأولمبية وقد تراجع مستواها قليلاً بعدما خسرت سباقًا للـ50 ياردة أمام مواطنتها ايليونور سافيل (ثالثة الألعاب الأولمبية).

وجاءت الخسارة المفاجئة قبل سباقات التأهيل للألعاب، فانكبّ مدربها على تحسين انطلاقتها بحيث تحقّق مسافة أبعد لدى قفزها إلى الماء.

خلال تمهيديات لوس انجليس، حقّقت ماديسون (19 سنة) أفضل خامس توقيت، فانهالت عليها نصائح الجهاز الفني لتفادي انطلاقة سريعة واعتماد وتيرة تصاعدية في النصف الثاني من السباق.

ويوم الحسم، حققت ماديسون المولودة في سياتل، رقمًا افضل بثانية من الهولندية دن أودن (14 عامًا) إذ سجّلت 1:06.8 دقيقة، وليس بعيدًا عن رقمها العالمي (1:06.6 د). ومقارنة مع الدورة السابقة في أمستردام قبل 4 أعوام، تحسّن الرقم القياسي 4 ثوان (سجلت الاميركية البينا اوزبوفيتش 1:11.10 د).

لكن الأصعب في لوس انجلوس كان سباق 400م حرة، إذ فازت ماديسون (1.80 م، 57.5 كلغ)، الملقبة بـ"الظل الطويل" نظرًا لطول أطرافها (الذراعان والساقان)، بفارق جزء من الثانية امام مواطنتها لينور كايت (5:28.5 د) وحطّمتا الرقم العالمي (5:31.0 د). كما ساهمت في فوز فريق البدل الأميركي 4 مرات 100م (4:38.0 د).