سيبقى انتصار الدرّاج السلوفيني ​تادي بوغاتشار​ (الإمارات) بلقب ​طواف فرنسا للدراجات الهوائية​ للمرة الثالثة في مسيرته راسخاً في الأذهان، بعدما هيمن على المنافسة وتفوّق بشكل واضح على منافسيه.

ومع انقشاع الغبار عن النسخة الـ111 من الطواف الفرنسي المليئة بالأحداث بلا هوادة، تسلّط وكالة فرانس برس الضوء على عوامل الفوز وأسباب الخسارة.

- تعلم الدروس -

عندما سُئل عما إذا كان بإمكانه محاكاة منافسه حامل اللقب في العامين الماضيين الدنماركي ​يوناس فينغيغارد​ (فيسما) في تنمية شاربه، ابتسم بوغاتشار مقراً أنه لا يحتاج كثيراً إلى الحلاقة بعد.

لكن بوغاتشار المشاكس الذي لم يستطع إلاّ أن يعتمد النمط الهجومي كلما بدت الأمور مملة، تعلم درسه. يمكن القول إنه خسر نسختي 2022 و2023 بسبب فشله في البقاء حذراً.

"هذا أمر ثقيل ومرهق" هكذا اشتكى بوغاتشار وهو يتسلل بشكل مزاجي خلال الأسبوع الثاني بموجب تعليمات صارمة لإبقاء دوافعه التدميرية مقيدة. في الأسبوع الثالث، عاد التباهي، فحافظ على طاقته، وذبل المنافسون، وكان لا يزال يتناول حلوياته المفضلة طوال المؤتمرات الصحافية، وربما لم يستخدم شفرة الحلاقة كثيراً، لكن هذا الدراج الذي تخلى عن الفوز في العامين الماضيين أصبح العملاق الذي حقق انجازاً تاريخياً بفوزه بطوافي إيطاليا (جيرو) وفرنسا (تور دو فرانس) في عام واحد.

بات بوغاتشار الذي أضاف لقب هذا العام إلى لقبي 2020 و2021، ثامن دراج يحرز ثنائية "جيرو- تور دو فرانس"، والاول يحقق هذا الانجاز منذ الإيطالي الراحل ماركو بانتاني في 1998.

-"الرجل الصغير"-

يُحسب له أن حامل اللقب مرتين فينغيغارد رفض بعناد الاستسلام حتى تأخر بخمس دقائق قبل مرحلتين على النهاية ولم يتبق سوى القليل من الوقود في الخزان.

منذ البداية، كان السؤال يلوح في الأفق، مع ستة أسابيع فقط من التدريب، هل يستطيع "الرجل الصغير" الذي يتحدث بهدوء كما يسميه زملاؤه في فريق "فيسما"، التعامل مع سباق مدته 21 يوماً. كانت الإجابة نعم، لكن القوة اللازمة للهجوم في الأسبوع الثالث كانت مفقودة، بسبب المخاوف التي مرّ بها جراء تعرضه لحادث مروّع في طواف الباسك في آذار/مارس.

قال فينغيغارد: "منذ بضعة أشهر فقط كان أحبائي يخشون على حياتي".

وأضاف: "بمجيئي إلى هنا، ليس لديّ ما أخسره، وليس لديّ كل شيء لأفوز به، ولن يلومني أحد إذا لم أفز". وهكذا، أثبت ما قاله رئيس فريق "فيسما" غريشا نيرمان "يوناس هو ثاني أفضل دراج هذا العام، ونحن فخورون به جداً".

-أهمية المناخ-

من العوامل التي غالباً ما يتم التغاضي عنها في الفوز والخسارة في السباقات هي العناصر الطبيعية: الشمس والرياح والمطر والبرد، ولكل شخص ما يفضله.

اشتهر البريطاني كريس فروم، الفائز بطواف فرنسا أربع مرات، بأداء جيد في درجات الحرارة الشديدة، وكثيراً ما يكرر فينغيغارد انه يعشق التنافس تحت أشعة الشمس الحارقة.

من ناحيته، قال بوغاتشار قبل الأسبوع الثالث إنه عالج نفوره من الحرارة "إذا نظرت إلى الوقت الذي أسقطني فيه يوناس، فقد يكون هذا من قبيل الصدفة، لكنه كان في حرارة شديدة وعلى ارتفاع عالٍ، لقد كنت أتدرب على كليهما". حتى وصول الدراجين إلى نيس في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة انطلق السلوفيني بالفعل نحو غروب الشمس حاملاً آمال التتويج في جيبه من دون أن يتمكن أي منافس من ازعاجه.

- تداعيات فيروس كورونا -

عندما دخل بوغاتشار إلى قصر فيكيو في فلورنسا الإيطالية، نقطة انطلاق الطواف الفرنسي، كان بإمكان أي شخص أن يرى أنه كان تحت سحابة. كان جده قد توفي للتو وأعلن أنه تعافى من اصابته بفيروس كورونا.

قال حينها: "لقد كانت نوبة (كورونا) خفيفة، لقد أصبت بها بالفعل مرة واحدة، لذا كنت أشعر بقليل من الحمى، مثل البرد". للوهلة الأولى بدا هذا سيئا بالنسبة لصاحب الشأن الذي كان يستعد لخوض أشهر طواف للدراجات الهوائية، لكن ثبت بخلاف ذلك لأنه أصبح محصناً لمدة شهرين بينما كان فريق إينوس، على سبيل المثال، يترنح تحت وطأة العدوى المنتشرة في صفوف دراجيه.

بعيداً عن الأمل، كان البلجيكي ريمكو إيفينيبول (سودال كويكستيب) حذراً، واضطر بطل طواف إسبانيا (فويلتا) 2022 إلى مغادرة مراحل طواف جيرو العام الماضي عندما كان متربعاً على الصدارة، بسبب تداعيات فيرس كورونا وقضى الطواف خلف قناع أحمر كبير لامع، كما لو كان لتذكير الجميع.

- موهبة لا غبار عليها -

سوّق المنظمون قبل انطلاق الطواف الفرنسي أن المنافسة ستنحصر بين الرباعي فينغيغارد وبوغاتشار والوافد الجديد الذي طال انتظاره إيفينيبول والمخضرم بريموز روغليتش (34 عاماً) الذي يبقى طوّاف فرنسا العقدة الوحيدة في مسيرته بعدما فاز دراج "رد بل" بألقاب السباقات الكبرى الأخرى.

لكن بعد مشاهدة بوغاتشار وهو يفوز في طواف جيرو الإيطالي في أيار/مايو، كان على المنظمين أن يأملوا بأن لن يتمكن من الظفر بسهولة بالنسخة الحالية لطواف فرنسا. من حسن حظ الجماهير أنه كبح حماسه.

يتمتع بوغاتشار بلياقة بدنية مذهلة لركوب الدراجات الهوائية، ويدافع عن الفريق الأفضل تمويلا (الإمارات) ويخوض المنافسات إلى جانب أقوى الزملاء الذي ابقوا زميل فينغيغارد، البلجيكي فوت فان ارت في الظل، إضافة إلى العنصر الحيوي الأخير، وهو إرادة الفوز.

"هذا هو التسابق، توقعوا مني أن أستمر" كثيراً، هذا ما يقول بوغاتشار عن تعطشه للفوز بالمراحل.